للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نيّتك لأمير المؤمنين، وترجع إلى عملك وما كنّا عليه من إكرامك وموالاتك. وإن تأخّرت عن هذا فلا لوم علينا فيما آتيناه إليك ممّا لا أؤثره والله فيك.

قال نسيم: ففتحت باب الحجرة التي كان بها فوجدته قائما يصلّي. فقلت وصحت: رسول الأمير! - لأنّه كان ثقيل السمع- فو الله ما تجوّز في صلاته ولم يزل يقرأ، ثمّ ركع وسجد ورفع رأسه وقام، فقرأ صدرا كبيرا، ثمّ ركع وسجد وجلس.

فلمّا سلّم [٢٨٠ ب] قلت: الأمير!

فقال لي: وما يريد الأمير؟

فلمّا قصصت عليه الرسالة قال لي: قل له:

أعزز عليّ بأن يكون حرصك على ما تفارقه أكثر من ميلك إلى ما لا تنفكّ عنه. وقد أعنتني لأنّك تكلّفني التصديق لبلاغات لا يعتدّ بها الحكّام.

فخف الله في أمري، فإنّي شيخ فان وأنت مريض مدنف، ولعلّ التقاءنا بين يدي الله عزّ وجلّ قريب. وقد والله نصحت لك، والسلام.

(قال): فخرجت من عنده، فقال: ما قال لك؟

فقصصت عليه قوله. فقال: شيخ فان وعليل [٢٥٣ أ] مدنف، ولعلّ الالتقاء بين يدي الله قريب- وأقبل يكرّرها. وقال لي: انظر إلى أعفّ المضمونين إليك وأكتر دارا ووكّله ببابها، وأطلق له ابني أخيه ومن أحبّ إليه.

فاكتريت دارا في قمّاحي الموقف، وكان الموكّل به رشيق أخو سعد الفرغانيّ. ومات بعد أحمد بن طولون بأقلّ من عشرين يوما.

[[سبب القطيعة بينهما]]

وكان سبب ذلك كلّه (١) أنّ أمير المؤمنين

المعتمد على الله أبا العبّاس أحمد بن المتوكّل كانت أيّامه مضطربة الأحوال مختلفة التدبير كثيرة العزل والتولية بتدبير الموالي وغلبتهم عليه. فقام أخوه الموفّق بالله أبو أحمد طلحة، الملقّب بالموفّق بالله، والناصر، والمنصور، بالخلافة أحسن قيام وصار الحكم إليه ولا تجبى الأموال كلّها إلّا له. وولّاه المعتمد العهد بعده وخطب له بذلك على المنابر فكان يقال: اللهمّ أصلح الأمير الناصر لدين الله أبا أحمد الموفّق بالله وليّ عهد المسلمين أخا أمير المؤمنين. ولم يبق للمعتمد معه من الخلافة إلّا الاسم بحيث لم ينفذ له توقيع في كبير ولا حقير. فضجر من ذلك وكتب إلى أحمد بن طولون سرّا يشكو من أخيه الموفّق، فأشار عليه أن يلحق بمصر ووعده بالنصرة له، وأخرج من مصر والشام عسكرا إلى الرقّة ينتظرون وصول المعتمد إليهم، وخرج بنفسه من مصر يريد لقاء المعتمد وأقام بدمشق مترقّبا له.

فاغتنم المعتمد غيبة الموفّق عنه، وسار في جمادى الأولى سنة تسع وستّين ومائتين ومعه جماعة من القوّاد، منهم إبراهيم بن المدبّر، وأحمد بن خاقان وخطارمش، وغيرهم، في أربعة آلاف فارس على خيل جريدة يريد مصر، في هيئة متصيّد، إلى أن وصل إلى عمل إسحاق بن كنداجق (٢) عامل الموصل وعامّة الجزيرة. فكتب الموفّق وهو بالبصرة على حرب صاحب الزنج، كتب إلى إسحاق يخبره أنّ المعتمد قصد أحمد بن طولون، وإن دخل مصر تنحّيت عن العلويّ حتى يغلب على [٢٨١ أ] دار السلطان. وإن استولى أحمد بن طولون على أمره لم يبق منكم معشر الموالي اثنان- وناشده الله لما جرّد العناية في خروجه.


(١) انظر في سبب القطيعة: رفع الإصر ١/ ١٥١؛ والطبريّ ٩/ ٦٢٠.
(٢) إسحاق بن كنداج أيضا، وكنداجيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>