للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: هذا رواه فلان.

فإذا الستّة كلّها صحاح، وأنا لم أدر.

[علم الشافعيّ بالشعر والأيّام]

وقال الزبير ابن أبي بكر: أملى عليّ عمّي مصعب بن عبد الله الزبيريّ أشعار هذيل ووقائعها وأيّامها، ثمّ قال: أملاه يا بنيّ عليّ شابّ من قريش ما رأت عينيّ مثله: محمد بن إدريس الشافعيّ، من أوّله إلى آخره، حفظا. فقلت: يا أبا عبد الله، أين أنت بهذا الذهن عن الفقه؟

فقال: إيّاه أردت.

وفي رواية: قال لي عمّي مصعب: كتبت عن فتى من بني شافع، من أشعار هذيل ووقائعها وقرا (١)، لم [١٥٥ ب] تر عيناي مثله.

قلت: يا عمّ، أنت تقول: لم تر عيناي مثله؟

قال: نعم يا بنيّ، لم تر عيناي مثله!

قال الخطيب: وقد رأى مصعب مالك بن أنس ومن عاصره من العلماء بالمدينة.

وعن الربيع: سمعت أيّوب بن سويد الرمليّ لمّا رأى الشافعيّ قال: ما ظننت أنّي أعيش حتّى أرى مثل هذا الرجل قطّ!

وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما رأيت مثل محمد بن إدريس الشافعيّ، ولا يرى. إنّي لأدعو الله له في سجودي أكثر ممّا أدعو الله لأبويّ.

وقال يحيى بن محمد بن صاعد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان الفقهاء أطبّاء، والمحدّثون صيادلة، فجاء محمّد بن إدريس الشافعيّ طبيبا صيدلانيّا ما مقلت (٢) العيون مثله.

وعن أبي ثور: ما رأينا مثل الشافعيّ، ولا رأى الشافعيّ مثل نفسه.

وفي رواية: ما رأيت، ولا رأى الرّاؤون، مثل الشافعيّ: سأله رجل عن الرّبا ما هو، فقال مسرعا: الرّبا فتنة عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء، فنظروا إليها بسوء اختيار النفوس فأحبطت الأعمال.

وعنه: من زعم أنّه رأى مثل محمد بن إدريس في علمه وفصاحته ومعرفته وبيانه وتمكّنه، فقد كذب. كان محمد بن إدريس الشافعيّ منقطع القرين في حياته. فلمّا مضى لسبيله لم يعتض منه.

وعن الزعفرانيّ: ما رأيت مثل الشافعيّ، أفضل ولا أكرم ولا أسخى ولا أتقى ولا أعلم منه!

وعن ابن عبد الحكم: ما رأيت مثل الشافعيّ.

وفي رواية: ما أحد ممّن خالفنا- يعني: خالف مالكا- أحبّ إليّ من الشافعيّ.

وفي رواية: ما رأينا مثل الشافعيّ: كان أصحاب الحديث ونقّاده، يجيئون إليه فيعرضون عليه، فربّما أعلّ نقد النقّاد منهم، ويوقفهم على غوامض من عالي الحديث لم يقفوا عليها، فيقومون وهم يتعجّبون منه. ويأتيه أصحاب الفقه المخالفون والموثّقون، فلا يقومون إلّا وهم مذعنون له بالحذق والدراية. ويجيئه أصحاب الأدب فيقرءون عليه الشعر، فيفسّره لهم. ولقد كان يحفظ عشرة آلاف بيت شعر من أشعار هذيل بإعرابها وغريبها ومعانيها. وكان من أضبط الناس لتاريخ، وكان يعينه على ذلك شيئان: وفور عقله، وصحّة ذهنه. وكان مردّ أمره إخلاص العمل لله.

[ورع الشافعيّ]

وعن عبد الله بن محمد البلويّ: جلسنا ذات


(١) الوقر: الحمل الثقيل.
(٢) مقله (وزن نصر): نظر إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>