للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حجامة احتجمها حتى مات يوم الخميس لثماني عشرة مضت من شهر ربيع الأوّل، ودفن في قصره المعروف بالجوسق، وصلّى عليه ابنه هارون الواثق. فكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيّام- وقيل: وثلاثة أيّام- وعمره سبعا وأربعين سنة وسبعة أشهر وخمسة عشر يوما- وقيل غير ذلك.

وهو المثمّن، لأنّه الثامن من خلفاء بني العبّاس، والثامن من ولد العبّاس. وولد في سنة ثمان وسبعين ومائة، وولي ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيّام، ومات عن ثمانية بنين وثماني بنات. وخلّف في بيت المال ثمانية آلاف ألف دينار، وثمانية آلاف ألف درهم، وثمانين ألف فرس، وثمانية آلاف مملوك وثمانية آلاف جارية، وبنى ثمانية قصور. وقيل: بلغت عدّة مماليكه ثمانية عشر ألف مملوك، وعلّق له خمسون ألف مخلاة على فرس وبرذون وبغل. وكانت له ثمانية فتوح عظام: أسر بابك، وفتح أنقرة، وفتح عمّوريّة، وقهر المحمّرة (١) مع غلبتهم على أكثر البلاد، وأسره البوارج وهي مراكب الهند، وكان فيها منهم عسكر عظيم قد غلبوا على ساحل فارس وعمان وناحية البصرة، ثمّ إجلاؤه الزطّ عن البطائح وما كانوا غلبوا عليه فيما بين البصرة وواسط، وكانوا خلقا عظيما، وقتله جعفر بن مهر [جش] مقدّم الأكراد وكان ذا [شوكة] عظيمة قد قام فيما بين الموصل وأذربيجان وأرمينية وتغلّب على البلاد وبسط يده بالقتل، ثمّ هزيمة الأفشين لتوفيل ملك الروم، وهي من الهزائم المذكورة، وقد قتل الأفشين بعد ذلك لمّا واطأ بابك: فإنّه كان مرّة معه ومرّة عليه.

[مدائح أبي تمّام فيه]

ومن مكارمه العظيمة أنّه لمّا فتح عمّوريّة قال فيه حبيب بن أوس الطائي الشاعر [البسيط]:

يا يوم وقعة عمّوريّة انصرفت ... عنك المنى حفّلا معسولة الحلب (٢)

لم تطلع الشمس فيه يوم ذاك على ... بان بأهل ولم تغرب على غرب

وكرّر إنشادها ثلاثة أيّام، فقال له: كم تجلو علينا عجوزك؟

قال: حتّى أستوفي مهرها، يا أمير المؤمنين.

فأمر له باثنين وسبعين ألف درهم، عن كلّ بيت ألف درهم فضّة. ومن كرمه الخارج عن الحدّ أنه أقطع مدينة الموصل لحبيب المذكور، وهذا شيء لم يتقدّمه إليه أحد.

وكان أبيض أصهب اللحية طويلها مربوعا مشرب اللون. وكان أمّيّا لا يقرأ ولا يكتب. واتّفق أنّه مات غلام للمعتصم كان معه في الكتّاب يتعلّم معه، فقال له أبوه هارون [١٨٥ ب] الرشيد: يا محمد، مات غلامك؟

فقال: نعم يا سيّدي، واستراح من الكتّاب!

فقال الرشيد: وإنّ الكتّاب ليبلغ منك هذا المبلغ؟ دعوه إلى حيث انتهى، لا تعلّموه شيئا.

فلذلك كان أمّيّا، كان يكتب كتاب [ة] ضعيف [ة] ويقرأ قراءة ضعيفة.

ولمّا خرج ملك الروم وأوقع بمن أوقع كتب كتابا إلى المعتصم يتهدّده، فأمر بجوابه. فلمّا قرئ عليه الجواب لم يرضه وقال للكاتب:

اكتب: باسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فقد قرأت كتابك وسمعت خطابك. والجواب ما ترى


(١) المحمّرة: هم الغالية من خرّميّة ومزدكيّة ... (النجوم، ١٢/ ٤٢ هامش ٣).
(٢) ديوان أبو تمام، ١/ ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>