للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مولانا، من كوني قد خنته في المال والأهل. وما كان والله العظيم ذلك منّي يوما قطّ! ثمّ مع ذلك معاداة الأهل جميعهم، والأجناد، وأرباب الطيالس والأقلام، وهو يعطيني كلّ رقعة تصل إليه منهم، وما سمع كلام أحد منهم فيّ.

فعند ذلك قال له الخليفة: فإذا كان فعل الأفضل معك ما ذكرته، إيش يكون فعلي أنا؟

فقال المأمون: يعرّفني المولى ما يأمر به، فأمتثله بشرط أن لا يكون عليه زائدا.

[[طلبات الخليفة إلى المأمون]]

فأوّل ما ابتدأ به الخليفة أن قال: أريد الأموال لا تجبى إلّا بالقصر ولا تصل الكسوات من الطراز والثغور إلّا إليه، ولا تفرق إلّا منه، وتكون أسمطة الأعياد فيه. ويوسّع في رواتب القصور من كلّ صنف، وزيادة رسم المنديل الذي برسم الكمّ.

فقال المأمون: سمعا وطاعة! أمّا الكسوات والجبايات والأسمطة فما تكون إلّا بالقصر. وأمّا توسعة الرواتب فما ثمّ من يخالف الأمر. وأمّا الزيادة برسم منديل الكمّ، فقد كان الرسم في كلّ يوم ثلاثين دينارا [وس] تكون في كلّ يوم مائة دينار. ومولانا- سلام الله عليه- يشاهد ما يعمل بعد ذلك في الركوبات وأسمطة الأعياد وغيرها في سائر الأيّام.

[[شروط المأمون على الخليفة]]

ففرح الخليفة وسرّ بذلك. فقال المأمون: أريد بهذا خطّ أمير المؤمنين، ويقسم لي فيه بآبائه الطاهرين أن لا يلتفت لحاسد ولا مبغض، ومهما ذكر عنّي يطلعني عليه، ولا يأمرني بشيء سرّا ولا جهرا يكون فيه ذهاب نفسي وانحطاط قدري، وتكون هذه الأيمان باقية إلى وقت وفاتي. فإذا توفّيت تكون لأولادي ولمن أخلّفه بعدي.

فحضرت الدواة وكتب ذلك جميعه وأشهد الله في آخرها على نفسه. فعند ما حصل الخطّ بيد المأمون، وقف وقبّل الأرض وجعله على رأسه.

وكان الخطّ بالأيمان في نسختين، إحداهما في قصبة فضّة. فلمّا قبض على المأمون أنفذ الخليفة [ي] طلب الأيمان فنفّذ إليه الذي في القصبة فحرقها لوقتها. قال ابن المأمون (١): وبقيت النسخة الأخرى عندي، فعدمتا في الحركات التي جرت.

وعاد المأمون إلى مجلسه، وأمر بتفرقة كسوة العيد والهبات وجملة العين ثلاثة آلاف وثلاثمائة [وسبعون] دينارا، ومن الكسوات مائة قطعة وسبع قطع برسم الأمراء المطوّقين [٢٠٦ أ] والأستاذين المحنّكين، وكاتب [ال] دست، ومتولّي حجبة الباب وغيرهم. وعدّة ما ذبح في ثلاثة أيّام النحر وفي عيد الغدير ألفان وخمسمائة وواحد وستّون رأسا، منها: نوق: مائة وسبعة عشر، وبقر: أربعة وعشرون. وجاموس: عشرون. هذا ما ينحره الخليفة ويذبحه بيده في مصلّى العيد، وفي المنحر وباب الساباط (٢) ويذبح الجزّارون من الكباش ألفين وأربعمائة رأس. والذي أنفق على الأسمطة في هذه الأيام خارجا عمّا يعمل بالدار المأمونيّة من الأسمطة، وخارجا عن القصور الحلوى والقصور المنفوخ التي تصنع بدار الفطرة ألف وثلاثمائة وستّة وعشرون دينارا، ومن السكّر برسم القصور والقطع المنفوخ أربعة وعشرون قنطارا، منها عن قصرين في أوّل يوم خاصّة اثنا عشر قنطارا، و [عن] المنفوخ عن الثلاثة الأيام اثنا عشر قنطارا.


(١) أخبار مصر ٢٣.
(٢) المصلّى وباب الساباط والمنحر: شرحها نائر أخبار مصر لابن المأمون ٢٥ هوامش ٣ - ٥، والدار المأمونيّة ص ٢٦ هامش ١ - ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>