للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والأمراء بين يديه. وركب من حيث كان الأفضل يركب، ومشى القوّاد في ركابه على عادة الأفضل.

وخرج من باب العيد راكبا إلى داره، فضاعف الرسوم وأطلق الهبات إلى يوم الاثنين خامس ذي الحجّة المذكور. [ف] اجتمع أمراء الدولة لتقبيل الأرض بين يدي الخليفة على العادة التي قرّرها مستجدّة.

فاستدعى الشيخ أبا الحسن عليّ بن أحمد بن أبي أسامة كاتب الإنشاء وأمره بإحضار السجلّ، فأحضره في لفافة خاصّ مذهبة، وسلّمه الخليفة إلى المأمون من يده [٢٠٥ أ]، فقبله وسلّمه لزمام القصر (١). وأمر الخليفة المأمون بالجلوس عن يمينه، وقرئ السجلّ على باب المجلس، وهو أوّل سجلّ قرئ هناك، وكانت السجلّات عادة تقرأ قبل هذا بالإيوان. ورسم للشيخ أبي الحسن ابن أبي أسامة أن ينقل نسبة الأمراء والأستاذين المحنّكين من الآمر إلى المأمون، ولم يكن أحد قبل ذلك ينتسب إلى الأفضل ولا لأبيه أمير الجيوش، وإنّما ينتسبون إلى الخليفة. فصاروا ينتسبون إلى المأمون. وقدّمت للمأمون الدواة فعلّم في مجلس الخليفة. وتقدّم الأمراء والأجناد فقبّلوا الأرض وشكروا أمير المؤمنين على هذا الإحسان. واستدعى الخلع لحاجب الحجّاب حسام الملك فأحضرت وأفيضت عليه، وطوّق بطوق ذهب وقلّد سيف ذهب. وخلع على الشيخ أبي الحسن ابن أبي أسامة، وعلى أبي البركات ابن أبي الليث متولّي ديوان المجلس، وعلى أبي الرضا سالم ابن الشيخ أبي الحسن، وعلى أخويه أبي المكارم وأبي محمد، وعلى أبي الفضل يحيى بن سعيد الميمذيّ منشئ ما يصدر عن ديوان المكاتبات ومحرّر ما يؤمر به من المهمّات،

وهو الذي قرأ السجلّ، ووصل بدنانير جزيلة.

وخلع على أبي الفضائل ابن أبي البركات بن أبي الليث صاحب دفتر المجلس، وعلى غذيّ الملك سعيد بن عماد الضيف متولّي دار الضيافة وأخذ العلامات على التوقيعات.

وانصرف المأمون إلى داره والموكب بين يديه.

وقال القاضي أبو الفتح محمود بن قادوس يمدحه، وقد زيد في نعوته [الكامل]:

قالوا: أتاه النعت وهو السيّد ال ... مأمون حقّا والأجلّ الأشرف

ومغيث أمّة أحمد ومجيرها: ... ما زادنا شيئا على ما نعرف

ثمّ إنّه سأل الخليفة أن يتحدّث معه في خلوة، فأمر بخلوّ المجلس، فقال: يا مولانا، امتثال الأمر صعب ومخالفته أصعب، وما يتّسع قدّام أمراء دولة أمير المؤمنين، وهو في دست خلافته، ومنصب آبائه وأجداده، خلافه. وما في قواي ما يرومه منّي، فيكفيني هذا المقدار- وهيهات أن أقوم به! - والأمير كثير (٢).

فتغيّر الآمر وحلف: لا كان لي وزير غيرك! وهو في نفسي من أيّام الأفضل.

فأعاد الاستعفاء، فتغيّر الآمر وقال: ما اعتقدت أنّك تخرج عن أمري ولا أنّك تخالفني.

فقال المأمون عند ذلك: فلي شروط أذكرها.

فقال: ما شئت فاشترط.

قال: قد كنت مع الأفضل، وهو يجتهد في أن يشرّفني بعدّة النعوت [٢٠٥ ب] ويحلّ المنطقة من وسطي، فلم أفعل.

فقال الخليفة: علمت ذلك في وقته.

قال: وكان أولاد الأفضل يكتبون إليه بما يعلمه


(١) زمام القصر هو أحد الأستاذين المحنّكين (ابن المأمون:
أخبار مصر ص ٢١ هامش ١).
(٢) أي: الأمراء غيري كثيرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>