للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يلتفت إلى قوله، لما كان يعرف عنه من التحامل على ابن تيميّة (١). وساقه في الحديد إلى السجن، وتحدّث مع السلطان بدار العدل في أمره. فأثنى عليه قاضي القضاة بدر الدين محمّد ابن جماعة، والأمير جنكليّ، وغيره من الأمراء بحضرة السلطان. وقام الأمير عزّ الدين أيدمر الخطيري بالحطّ [١٤١ أ] عليه وعلى ابن تيميّة، عصبيّة للصوفيّة، وكادت تكون فتنة بينه وبين جنكليّ.

فسكّنها السلطان، وفوّض الأمر إلى الأمير أرغون النائب. فأحضر إليه، وعنده الفخر ناظر الجيش.

فذكر تعصّب الصوفيّة عليه بغير الحقّ، وجافى الفخر بالكلام وقال للنائب: ولا ترجع إلى قول هذا- يعني الفخر- فإنّه يصحب فلانا وفلانا من العجم المتصوّفة.

فردّ النائب أمره إلى القاضي المالكيّ، وذلك في خامس عشر ربيع الآخر، فأعيد إلى السجن، ووقع العزم على ضرب عنقه. فجرت أمور آلت إلى أن أحضر في الحديد يوم التاسع والعشرين من جمادى الأولى (٢)، وضرب نحو الخمسين سوطا، ضربا مبرّحا حتّى أدماه. ثمّ شهر على حمار أركبه مقلوبا، ونودي عليه: هذا جزاء من يضع من جانب رسول الله صلّى الله عليه وسلم- ليغروا به العامّة حتّى تقتله.

ثمّ أعيد بعد الإشهار بمصر والقاهرة إلى سجن الوالي، فأقام يومين، وأخرج بأهله إلى بلد الخليل عليه [٢٦ ب] السلام، وألزم ألّا يعمل مجلس وعظ ولا يتكلّم مع أحد في شيء من أمور الديانات.

فأقام بالخليل إلى شهر رمضان. وسار إلى دمشق.

واتّفق عقيب سفره أنّ تقيّ الدين ابن شأس من فقهاء المالكيّة حضر بعض الدروس فوقع منه مقالة مثل مقالة ابن ميرا التي فعل به من أجلها ما فعل.

فرفع إلى الإخنائيّ، وشهد عليه جمع كبير من أعيان المالكيّة، وأرادوه أن يفعل به ما فعل بابن ميرا، فلم يفعل، وقام معه، بحيث إنه منع غير واحد ممّن شهد عليه أن يتحمّل الشهادة، وهدّد بعضهم. فتبيّن للناس أنّ قيامه على ابن ميرا لحطّ نفسه، وشنّعت المقالة عليه. وقال البرهان [إبراهيم] الرشيدي خطيب جامع أمير حسين في ذلك [السريع]:

يا مالكيّا شاد أحكامه ... على تقى الله وأقوى أساس

مقالة في ابن مرا أثرت ... زعمتم بالنصّ أو بالقياس (٣)

وفي ابن شأس قطّ ما أثرت ... فهل أباح الشرع كفر ابن شأس؟

٦٣٢ - الأرمويّ قاضي الحسينيّة [- ٦٦٧]

[٢٧ أ] أحمد بن محمود بن أحمد، أبو العبّاس، سراج الدين، الأرمويّ، الشافعيّ، المعروف بقاضي الحسينيّة [ ... ].

وولي تدريس زاوية الشافعيّ بجامع عمرو بن العاص، والحسبة. فقال رضي الدين أبو الفتح عمر بن عليّ بن أبي بكر بن بركة الفارقيّ الحنفيّ- عرف بابن الموصليّ العبّاسيّ [الطويل]:

ألا أيّها المغرور بالجاه والغنى ... ستسقى كئوس الذلّ وهي أجاج


(١) قال في الأعيان والدرر: كان منحرفا عنه ثم أحبّه وتلمذ عليه وأحبّه. فالاعتراض هنا غير مفهوم، ولعلّ المقصود:
من التعاطف مع ابن تيميّة. وربّما المقصود: التحامل من القاضي الإخنائيّ.
(٢) من سنة ٧٢٥.
(٣) في الدرر ١/ ٣٢٤ - وفي السلوك ٢/ ٢٦٣: لفّقت تجاوزت في الحدّ حدّ القياس.

<<  <  ج: ص:  >  >>