للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رجل أخبط القبائل وأطأ البلاد والبوادي، وخفت أنّني متى انتسبت لم آمن أن تأخذني بعض العرب بطلبة بينها وبين القبيلة التي انتسبت إليها. وما دمت غير منتسب إلى أحد فأنا أسلم من جميعهم، ويخافون لساني.

فذكرت له ما أخبرني به أبو الحسين من انتسابه إلى جعفى وأنّ جدّته همدانيّة، فما أنكر ذلك ولا اعترف به. (قال) ومحلّ أبي الحسن فوق أن يحكي إلّا صدقا. (قال) واجتمعت بعد موت المتنبّي بسنين مع القاضي أبي الحسين شيبان الهاشميّ الكوفيّ، وجرى ذكر المتنبّي، فقال:

أعرف أباه بالكوفة شيخا ينضح على بعير له، يسمّى عيدان. وكان جعفيّا صحيح النسب.

ثمّ رأيت رجلا كوفيّا ضريرا ببغداد، ويذكر أنّه أخو المتنبّي من أبيه وأمّه. وسألته عن نسبه فقال:

كان أبونا يقول إنّه ابن جعفى. (انتهى).

وكان مولد أبي الطيّب في كندة من الكوفة سنة ثلاث- وقيل: إحدى- وثلاثمائة، والأوّل أصحّ.

[سبب تلقيبه بالمتنبّي]:

وقد اختلف في تسميته بالمتنبّي. فقيل إنّه ادّعى النبوّة في حداثته. وقيل غير ذلك. قال القاضي التنوخي (١): وقد كان المتنبّي لمّا خرج إلى كلب وأقام فيهم ادّعى أنّه علويّ حسيني. ثمّ ادّعى بعد ذلك النبوّة في حداثته. وقيل غير ذلك. قال أبي (٢): ثم عاد يدّعي أنّه علويّ إلى أن أشهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين، وحبس دهرا طويلا، وأشرف على القتل. ثمّ استتيب. (قال) وكان يتردّد في نفسي أن أسأل أبا الطيّب المتنبّي عن تنبّئه والسبب فيه، وهل ذلك اسم وقع عليه

على سبيل اللقب، أو أنّه كما كان يبلغنا، فكنت أستحي منه لكثرة من يحضر مجلسه ببغداد، وأكره أن أفتح عليه بابا يكره مثله. فلمّا جاء إلى الأهواز ماضيا إلى فارس خلوت به وطاولته الأحاديث وجرّرتها إلى أن قلت له: أريد أن أسألك عن شيء في نفسي منذ سنين، وكنت أستحي خطابك فيه من كثرة من كان يحضرك ببغداد، وقد خلونا الآن، ولا بدّ أن أسألك عنه- وكان بين يديّ جزء من شعره، وكان مكتوبا عليه: شعر أبي الطيّب المتنبّي. فقال: تريد تسألني عن سبب هذا؟ - وجعل يده فوق الكتابة التي هي «المتنبّي».

فقلت: نعم.

فقال: هذا شيء كان في الحداثة أوجبته [أ] مور.

فما رأيت دهشة (٣) ألطف منها لأنّه يحتمل المعنيين [٧٥ ب]: في أنّه كان قد تنبّأ واعتمد الكذب، أو أنّ عنده أنّه كان صادقا. إلّا أنّه اعترف بالمتنبّي على كل حال. (قال) ورأيت ذلك قد صعب عليه فاستقبحت أن أستقصي وألزمه الإفصاح بالقصّة، فأمسكت عنه.

وحكى القطربّليّ، وابن أبي الأزهر في تاريخ اجتمعا على تصنيفه، أنّ المتنبّي أخرج ببغداد من الحبس إلى مجلس الوزير أبي الحسن عليّ بن عيسى، فقال: أنت أحمد المتنبّي؟

فقال: أنا أحمد النبيّ! - وكشف عن بطنه فأراه سلعة فيه وقال: «هذا طالع نبوّتي، وعلامة رسالتي». فأمر بقلع شمشكه وصفعه به خمسين وأعاده إلى محبسه. ذكر ذلك عليّ بن منصور القارح في رسالته إلى أبي العلاء المعرّي (٤).


(١) نشوار المحاضرة ٤/ ٢٤٧.
(٢) قال أبي: مفقودة من النشوار ولكنّ المحسّن التنوخي كثيرا ما ينقل عن أبيه.
(٣) في المخطوط: دهثمة. والتعليق كلّه مفقود من النشوار.
ولعلها «دهشة» كما اخترنا.
(٤) القصّة في رسالة ابن القارح التي نشرتها بنت الشاطئ في-

<<  <  ج: ص:  >  >>