للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جميع ما رامه من أطراف الدنيا آثارا بقي ذكرها دهرا طويلا.

[[حسن تدبيره لمداخيل الدولة]]

وأراد أن يعرف قدر ارتفاع الدولة وما عليها من النفقات ليقايس بينهما. فتقدّم إلى أصحاب الدواوين بأن يعمل كلّ منهم ارتفاع ما يجري في ديوانه، وما عليه من النفقات. فعمل ذلك، وتسلّمه متولّي ديوان المجلس وهو زمام الدّواوين، فنظّم عليه عملا جامعا واختصره أيّام [دولته] فجاء ارتفاع الدولة ألفي ألف دينار، منها:

الشام: ألف ألف دينار، ونفقاته بإزاء ارتفاعه.

ومنها: الريف وباقي الدولة: ألف ألف دينار، يقف منها عن مغلول وينكسر عن موتى وهراب ومفقود أبواب: مائتا ألف دينار. وتبقى ثمانمائة ألف دينار، ينصرف منها للرجال عن واجباتهم وكساويهم ثلاثمائة ألف دينار. وعن ثمن الغلّة للقصور: مائة ألف دينار. وعن نفقات القصور:

مائتا ألف دينار، وعن عمائر، وما يقام للضيوف الواصلين، من الملوك وغيرهم، مائة ألف دينار.

ويبقى بعد ذلك مائتا ألف دينار حاصلة يحملها كلّ سنة إلى بيت المال المصون. فحظي بذلك عند الخليفة، وتمكّن منه، وارتفع قدره عنده. وكانت الدولة طول نظره في عرس، لتوالي الفتوحات في أيّامه وعمارة الأعمال بحسن تدبيره واستخدام الكفاة فيها بجودة اختياره.

[[بوادر النكبة]]

وكان المستنصر يحضر عنده في كلّ يوم ثلاثاء من كلّ جمعة ويبيت عنده في لذّة ومسرّة، فيحضر إليه من التحف والطرف والغرائب ما لا يكاد يقدر عليه غيره. فاستمرّ على ذلك ثماني سنين، فكثر الحاسد له على ما يتأتّى له من السعادة وتعينه عليه الأقدار. واستطال حسّاده مدّته فابتغوا له الغوائل ونصبوا له الحبائل، وركّبوا عليه المناصب حتى كان هلاكه بأقلّ الناس قدرا وأحقرهم، وأدناهم منزلة وأضعفهم قدرة، وهم من أطراف الخدّام، ليبيّن الله آياته للناس ليعلموا أنّ الله على كلّ شيء قدير: وذلك أنّ اثنين من أطراف المستخدمين، أحدهما خادم يعرف بفرج المغراويّ (١) كان في حاشيته، والآخر خازن في بيت المال يتولّى خزانة الفرش يعرف بتنا، تمحّلوا له الأباطيل ونمّقوا الأحاديث وزخرفوا القول وحكوا أنّه نقل الأموال إلى الشام في التوابيت وفي شمع سبكه، وأنفذه إلى القدس وإلى الخليل، وأنّه قد عوّل على الهرب إلى بغداد. فصدّق ذلك وقبض عليه بغير ذنب إلّا الملل والحسد الذي جرت عادة الملوك به. وإنّ مللهم بغير علّة وحسدهم على تظافر من ينعمون عليه بما يصير في يديه ليتجمّل به، فيكون [٣٦٦ أ] ذلك سبب حسدهم ومللهم.

[ضيافة ابن اليازوريّ للخليفة المستنصر ... ]

واتّفق أنّ المستنصر التمس من صفيّ الملك ولد الوزير عمل دعوة يدعوه إليها، فدافعه عن ذلك، استعظاما عنده. فأقام مدّة حتّى بعثه والده الوزير الناصر للدين على تكلّف عملها. فاهتمّ لذلك وصنع ما يليق إعداده. وتقرّر الحال على يوم، فلمّا تهيّأ ذلك، حضر صفيّ الملك إلى أبيه وأعلمه بإنجاز ما يحتاج إليه، فصار معه إلى الدار بخواصّه فرأى ما تقصر عنه كلّ صفة: من ذلك أنّه فرش مجلسين بديباج بياض كلّه وفيه جامات كبار حمر بنقوش كأجل من الأعدال (٢)، وفي كلّ مجلس ثلاث مراتب وبساط ملء المجلس،


(١) في الاتّعاظ ٢/ ٢٣٨: فرج المغربيّ.
(٢) في الاتّعاظ ٢/ ٢٣٨: كلّ مجلس كما حمل من الأعدال، ولا يتّضح المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>