للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله، مولى بني سليم، قاضي إفريقية.

أصله من أبناء جند خراسان.

ومولده في سنة أربع وأربعين ومائة. وأقام بالكوفة. وكتب عن أهلها. وكتب بالريّ عن جرير بن عبد الحميد.

وأخذ الموطّأ عن مالك بن أنس، وروى عنه المسائل الأسديّة، وهو معدود من كبار أصحاب مالك.

قدم مصر، ومضى إلى إفريقية، وولي القضاء بها من قبل زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب شركة مع أبي محرز محمّد بن عبد الله بن قيس في [سنة أربع ومائتين] (١).

[غزوة صقليّة]:

ثمّ غزا جزيرة صقلّيّة، وذلك أنّ أهلها كانوا معاهدين. فنزع بعض أهلها إلى زيادة الله يستدعيه إلى دخول الجزيرة، وذلك أنّ ملك الروم سخط عليه، وكتب إلى صاحب صقلّيّة بأن يعاقبه ويمثّل به. فلمّا خافه استدعى أصحابه إلى الخلاف معه فأجابوه. فمضى بمراكبه نحو سرقوسة إحدى مدائن جزيرة صقلّيّة، فنزل بمرساها وقاتل البطريق الذي كان بها حتى قتله، ثم لبس الديباجة التي يلبسها الملوك والخفّ الأحمر، وأخذ الأموال التي بسرقوسة [١٧٦ أ]، واستولى عليها، وأعطى أصحابه الأموال، ثمّ رغب إلى زيادة الله في أن يمدّه.

فجمع زيادة الله العلماء وشاورهم في غزو صقلّيّة. وكان في عهدهم أنّهم إذا دخل عندهم رجل من المسلمين مرتدّا، أن يسلموه إلى المسلمين. فأحضر زيادة الله أسد بن الفرات وأبا محرز، في آخرين وسألهم عن ذلك، فقال أسد:

نسأل رسلهم إن كانوا احتبسوا أحدا من المسلمين ارتدّ عندهم.

فسألوهم فقالوا: نعم، فعلنا ذلك، ولا يحلّ لنا في ديننا ردّ من أتى إلينا ودخل في ديانتنا.

فقال أسد: قد نقضوا عهدهم، وجاز لنا أن ننقض ما عقدنا لهم، وإنّما تتأدّى إلينا الحقائق عنهم برسلهم، فبهم عاهدناهم (٢) وبهم نجعلهم ناقضين، وقد قال الله تعالى: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [محمّد: ٣٥]. فكما لا ندع السلم ونحن الأعلون فكذلك لا نتماسك به ونحن الأعلون (٣).

فأخذ زيادة الله بقول أسد، وأمر بإنشاء المراكب والاستعداد للغزو. وعرض أسد نفسه على زيادة الله للخروج في الغزاة، فولّاه على الجيش، وفيهم أشراف أهل إفريقية من قريش، والعرب، والجند، والبربر، والأندلسيّين، وأهل العلم والبصائر، وأقرّه على القضاء مع [١٤٥ ب] قيادة الجيش. فخرج في حفل عظيم، وعدّة جليلة في شهر ربيع الأوّل سنة اثنتي عشرة ومائتين. فقال لمن حوله: والله ما ولي أبي ولا جدّي ولاية قطّ، ولا رأى أحد من أهل بيتي ولا سلفي مثل هذا الجمع يتبعه، ولا بلغت ما ترون إلّا بطلب العلم فأجهدوا أنفسكم في طلبه، فإنكم تنالون به الدنيا والآخرة.

واجتمع لزيادة الله من المراكب سبعون مركبا، وجعل فيها سبعمائة فرس (٤)، ثمّ فصل أسد بالعساكر يوم السبت للنصف من شهر ربيع الآخر، فكانت طريقه على قلعة البلّوط، ثمّ على قرى الريش، ثمّ سار إلى قلعة الدبّ وقرية الطاوس.


(١) الإكمال من رياض النفوس ١/ ٢٦٩.
(٢) في الرياض ١/ ٢٧١: فبهم هادنّاهم.
(٣) هذا الاحتجاج الغريب ساقط من الرياض.
(٤) هذه أرقام ابن عذاري أيضا: البيان ١/ ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>