للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مسجد أحمد بن حنبل، فصادفته يصلّي الفجر فصلّيت معه وكنت لم أركع السنّة (١) فقمت أركع عقب الصلاة، فجعل ينظر إليّ مليّا حتّى عرفني.

فلمّا سلّمت من صلاتي سلّمت عليه وأوصلت الكتاب إليه وقلت له: هذا [بعثه] إليك الشافعي من مصر. فجعل يسألني عن الشافعي طويلا قبل أن ينظر في الكتاب. ثمّ قال لي: نظرت فيه؟

قلت: لا. ففضّ ختمه وقرأه حتّى إذا بلغ موضعا منه بكى وقال: أرجو الله تعالى أن يحقّق ما قاله الشافعيّ. قلت: يا أبا عبد الله أيّ شيء قد كتب إليك؟ قال: ذكر في كتابه أنّه رأى النبيّ صلّى الله عليه وسلم في نومه وهو يقول له: يا ابن [إدريس] بشّر هذا الفتى أبا عبد الله أحمد بن حنبل أنّه سيمتحن في دين الله ويدعى أن يقول: القرآن مخلوق، فلا يفعل ويضرب بالسياط، وأنّ الله عزّ وجلّ سينشر له بذلك علما لا يطوى إلى يومالقيامة. فقلت:

بشارة، فأيّ شيء جائزتي عليها؟ - وكان عليه ثوبان فنزع أحدهما فدفعه إليّ وكان ممّا يلي جلده. وأعطاني جواب الكتاب. فخرجت حتى قدمت على الشافعي فأخبرته بما جرى. قال: فأين الثوب؟ قلت: هو ذا. فقال: ليس نفجعك به- ويروى أنّ الشافعي قال للربيع: لا نبتاعه منك ولا نستهديه ولكن اغسله وجئنا بمائه. (قال) فغسلته وحملت ماءه إليه فجعله في قنينة. وكنت أراه في كلّ يوم يأخذ منه فيمسح على وجهه تبرّكا بأحمد بن حنبل.

[[محنة خلق القرآن]]

[فصل في محنة الإمام رضي الله عنه وما وقع فيها على سبيل الاختصار]

قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزيّ: لم يزل

الناس على قانون السلف وقولهم إنّ القرآن كلام الله غير مخلوق حتى نبقت (٢) المعتزلة فقالوا بخلق القرآن، وكانوا يتستّرون بذلك إلى زمن الرشيد حتّى إنّ الرشيد قال يوما: بلغني أنّ بشرا المريسي (٣) يقول: القرآن مخلوق، ولله عليّ إن أظفرني الله به لأقتلنّه قتلة ما قتلتها أحدا. فأقام بشر متواريا أيّام الرشيد نحوا من عشرين سنة فلمّا توفّي الرشيد كان الأمر كذلك في زمن ولده الأمين، فلمّا ولي المأمون خالطه قوم من المعتزلة فحسّنوا له القول بخلق القرآن.

وقال البيهقيّ: قرّب من مجلسه جماعة من المبتدعين والفلاسفة حتّى ألقوا في سمعه من كلام أهل الزيغ والبدع ما حمله على القول بخلق القرآن ونفي الصفات. اه.

وكان يتردد في حمل الناس على ذلك ويراقب بقايا الأشياخ. ثمّ قوي عزمه على ذلك. قال يحيى بن أكثم (٤) قال لنا المأمون: لولا مكان يزيد بن هارون (٥) لأظهرنّ القول بخلق القرآن.

فقال له بعض جلسائه: ومن يزيد بن هارون حتّى يتّقيه أمير المؤمنين؟ فقال: إنّي أخاف إن أظهرته يردّ عليّ فيختلف الناس وتكون فتنة وأنا أكره الفتنة. فقال الرجل للمأمون: أنا أخبر لك ذلك من يزيد بن هارون. فخرج إلى واسط فجاء إلى يزيد فدخل عليه المسجد فقال: يا أبا خالد، إنّ أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك: إنّي أريد


(١) أي لم يصلّ سنّة صلاة الفجر القبليّة.
(٢) نبق على وزن نصر: خرج وظهر، وعند ابن الجوزي ص ٣٠٨: نبغت.
(٣) بشر بن غياث المريسي المتكلّم، أبو عبد الرحمن (ت ٢١٨): أعلام النبلاء ١٠/ ١٩٩ (٤٥).
(٤) يحيى بن أكثم أبو محمد قاضي القضاة زمن المأمون (ت ٢٤٢): أعلام النبلاء ١٢/ ٥ (١).
(٥) يزيد بن هارون السّلمي الواسطيّ، أبو خالد (ت ٢٠٦):
النبلاء ٩/ ٣٤٢ (١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>