للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠ قد غرّت الحرب من قد كان قبلكم ... من القرون، وقد بادت بها الأمم

فانصرفوا قومكم لا تهلكوا بذخا ... فربّ ذي بذخ زلّت به القدم

فكتب إليه ابن عبّاس: إنّي لأرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه. ولست أدع النصيحة له في كلّ ما يجمع الله به الألفة ويطفئ به النائرة.

ودخل عبد الله بن عبّاس على الحسين فكلّمه ليلا طويلا، وقال: أنشدك الله أن تهلك غدا بحال مضيعة. لا تأت العراق! وإن كنت لا بدّ فاعلا فأقم حتى ينقضي الموسم وتلقى الناس وتعلم ما يصدرون، ثمّ ترى رأيك- وذلك في عشر ذي الحجّة سنة ستّين.

[[اعتزامه الخروج إلى العراق]]

فأبى الحسين إلّا أن يمضي إلى العراق. فقال له ابن عبّاس: والله إنّي لأظنّك ستقتل غدا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان بين نسائه وبناته. والله إنّي لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون! .

فقال: يا أبا العبّاس، إنّك شيخ قد كبرت.

فقال ابن عبّاس: لولا أن يزري ذلك بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، ولو أعلم أنّا إذا تناصينا أقمت، لفعلت، ولكن لا إخال ذلك نافعي.

فقال له الحسين: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن تستحلّ بي مكّة.

فبكى ابن عبّاس وقال: أقررت عين ابن الزبير، فذلك الذي يسلّي نفسي عنه.

ثمّ خرج ابن عبّاس من عنده وهو مغضب، وابن الزبير على الباب. فلمّا رآه قال: يا ابن الزبير، قد أتى ما أحببت. قرّت عينك: هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك في الحجاز [الرجز]:

يا لك من قبّرة بمعمر (١) ... خلا لك الجوّ فبيضي واصفري

ونقّري ما شئت أن تنقّري

ودخل محمد بن الحنفيّة على الحسين بمكّة، وأعلمه أنّ الخروج ليس له برأي. فأبى الحسين أن يقبل. فحبس محمّد [٣٩٩ ب] ولده فلم يبعث أحدا منهم، حتّى وجد حسين في نفسه على أخيه محمد وقال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه! .

فقال محمد: وما حاجتي أن تصاب ويصابوا معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم؟ .

وذكر الزبير بن أبي بكر عن أبي سعيد المقبري قال: والله لرأيت حسينا، وإنّه ليمشي بين رجلين يعتمد على هذا مرّة وعلى هذا مرّة حتّى دخلمسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يقول [الخفيف] (٢):

لا ذعرت السوام في غبش الصّب ... ح مغيرا، ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى مخافة الموت ضيما ... والمنايا يرصدنني أن أحيدا

(قال) فعلمت عند ذلك أن لا يلبث إلّا قليلا حتى يخرج. فما لبث أن خرج حتّى لحق بمكّة.

وفي رواية: خرج الحسين من مكّة إلى العراق، فلمّا مرّ بباب المسجد الحرام قال ... (وذكر البيتين).

وكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد: أمّا بعد، فإنّ الحسين بن عليّ قد توجّه إليك، وهو الحسين ابن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وتا الله ما أحد يسلمه الله أحبّ إلينا من الحسين، فإيّاك أن تهيج على نفسك ما لا يسدّه شيء ولا تنساه العامّة ولا تدع ذكره، والسلام.

وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص: أمّا


(١) الرجز في مقاتل الطالبيّين للأصفهاني ص ١١٠ وفيه تخريجه.
(٢) البيتان ضمن قصيدة من ١١ بيتا ليزيد بن مفرّغ الحميري (انظر شعر يزيد بن مفرّغ الحميري جمع داود سلوم بغداد ١٩٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>