عبد الله. وكره سعيد بن المسيّب خروجه، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والمسوّر بن مخرمة. وكتب إليه [المسوّر]: إيّاك أن تغترّ بكتب أهل العراق! .
وكذلك كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تنهاه عن العراق وتقول: أشهد، لحدّثتني عائشة أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: يقتل حسين بأرض بابل.
فلمّا قرأ كتابها قال: لا بدّ لي إذن من مصرعي! - ومضى.
وأتاه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال: لقد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك. وأنت تريد أن تسير إليهم، وهم عبيد الدنيا. فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحبّ إليه ممّن ينصره. فاذكر الله في نفسك! .
فقال: جزاك الله يا ابن عمّ خيرا، فقد اجتهدت رأيك. ومهما يقض الله من أمر يكن.
فقال أبو بكر: إنّا لله! عند الله نحتسب أبا عبد الله! .
وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إليه كتابا يحذّره أهل الكوفة ويناشده الله أن [لا] يشخص إليهم. فكتب إليه الحسين: إنّي رأيت رؤيا، ورأيت فيها النبيّ صلّى الله عليه وسلم وأمرني بأمر أنا ماض له، ولست بمخبر بها أحدا حتّى ألاقي عملي.
وكتب [٣٩٩ أ] إليه عمرو بن سعيد بن العاص:
إنّي أسأل الله أن يلهمك رشدك، وأن يصرفك عمّا يرديك. بلغني أنّك اعتزمت على الشخوص إلى العراق. فإنّي أعيذك بالله من الشقاق، فإن كنت خائفا، فأقبل إليّ، فلك عندي الأمان والبرّ والصلة.
فكتب إليه الحسين: إن كنت أردت بكتابك إليّ برّي وصلتي، فجزيت خيرا في الدنيا والآخرة. وإنّه لم يشاقق مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (فصلت: ٣٣)، وخير الأمان أمان الله، ولم يؤمن بالله من لم يخفه في الدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمان الآخرة عنده.
وكتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عبّاس يخبره بخروج حسين إلى مكّة، [ويقول]: وأحسبه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمنّوه الخلافة.
وعندك منهم خبرة وتجربة. فإن كان فعل فقد قطع واشج القرابة. وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي إلى العراق- وكتب بهذه الأبيات إليه وإلى من بمكّة والمدينة من قريش [البسيط] (١):
يا أيّها الراكب الغادي لطيّته ... على عذافرة في سيرها قحم
أبلغ قريشا على نأي المزار بها ... بيني وبين حسين الله والرّحم
وموقف بفناء البيت أنشده ... عهد الإله وما توفي به الذمم
عنيتم قومكم فخرا بأمّكم ... أمّ لعمري عفّة كرم
٥ هي التي لا يداني فضلها أحد ... بنت الرسول، وخير الناس قد علموا
وفضلها لكم فضل، وغيركم ... من قومكم لهم في فضلها قسم
إنّي لأعلم أو ظنّا كعالمه ... والظنّ يصدق أحيانا فينتظم
أن سوف يترككم ما تدّعون بها ... قتلى، تهاداكم العقبان والرّخم
يا قومنا لا تشبّوا الحرب إذ سكنت ... ومسّكوا بحبال السّلم واعتصموا
(١) الأبيات ١١ في تاريخ الطبري ج ٨ ص ٢٠٢.