للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن أظهر القول أنّ القرآن مخلوق. فقال له: كذبت على أمير المؤمنين، فإن كنت صادقا فاصبر إلى أن يجتمع عليّ الناس. (قال) فلمّا كان الغد واجتمع عليه الناس قلت: يا أبا خالد إنّ أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك: إنّي أريد أن أظهر القول بخلق القرآن، فما عندك في ذلك؟ قال: كذبت على أمير المؤمنين، أمير المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه وما لم يقل به أحد. قال الرجل: فلمّا رجعت إلى أمير المؤمنين قلت له: يا أمير المؤمنين إنّك كنت أعلم بالأمر منّا: كان من القصّة كيت وكيت. فقال أمير المؤمنين: إنّه تلعّب بك. اه.

وقال البيهقي: باب ما جاء في محنة أبي عبد الله أيّام المأمون ثمّ المعتصم ثمّ الواثق بسبب القرآن، وما أصابه من الحبس الطويل والضربالشديد والتهديد بالقتل، وقلّة مبالاته بما كان منهم وتمسّكه بالدين القويم والصراط المستقيم:

وكان رحمه الله سمع ما ورد في مثل حاله من الآيات المتلوّة والأخبار المأثورة، وبلغه ما أوصي به في المنام واليقظة فرضي وسلّم إيمانا واحتسابا وفاز بخير الدنيا ونعيم الآخرة هنّأه الله بما آتاه من ذلك ببلوغ أعلى منازل أهل البلاء في الله من أولياء الله، وألحق به محبّيه فيما نال من كرامة الله إن شاء الله من غير بليّة.

ثمّ روى البيهقيّ بسنده إلى مصعب بن سعد (١) عن أبيه سعد قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أيّ الناس أشدّ بلاء؟ قال الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل ... الحديث. وعن أنس رضي الله عنه:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ثلاث من كنّ فيه فقد وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه

ممّا سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلّا لله، وأن يقذف [٢ ب] في النار أحبّ إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه (٢).

قال الإمام البيهقي رحمه الله: فاجتمعت هذه الخصال الثلاث في أبي عبد الله رحمة الله عليه، وظهرت آثارها حتّى وقع في المحنة، كما روينا عن بشر بن الحارث- يعني الحافي (٣) - أنّه سئل عن أبي عبد الله بعد المحنة فقال: إنّ ابن حنبل أدخل الكير فخرج ذهبا أحمر، هذا لأنّه هانت عليه نفسه في الله حين عوقب في كلام الله، كما هانت على بلال بن رباح نفسه في الله حين عذّب في دين الله فكان بلال إذا دعي إلى الشرك بالله ومسّ بالعذاب جعل يقول: أحد! أحد! وكان أبو عبد الله إذا دعي إلى القول بخلق القرآن وضرب بالسياط يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، فإذا قيل له: القول بذلك يؤدّي إلى التشبيه يقول: أحد صمد! لا شبه له ولا عدل، وهو كما وصف به نفسه. وكان أبو عبد الله وطّن نفسه على الصبر على المكروه والرضا بالقضاء فحين [ ... ] (٤) أقرّ بما عزم عليه وأظهر الرضا به فرحمة الله ورضوانه عليه، اه. كلام البيهقي.

[ذكر طلب أبي عبد الله أمام المأمون]

قال حنبل بن إسحاق بن حنبل ابن عم الإمام أحمد: سمعت أبا عبد الله يقول: لمّا دعيت إلى المحنة رأيت في المنام عليّ بن عاصم (٥) فأوّلتها:

علوّا وعصمة من الله عزّ وجلّ والحمد لله على


(١) مصعب بن سعد بن أبي وقاص (ت ١٠٣): طبقات خليفة ٤٢٣ (٢٠٨٢).
(٢) الحديث في ترجمة الماليني من أعلام النبلاء ١٧/ ٣٠٣.
(٣) بشر الحافي الزاهد (ت ٢٢٧): أعلام النبلاء ١٠/ ٤٦٩ (١٥٣).
(٤) تغدبر بنحو كلمتين.
(٥) عليّ بن عاصم (ت ٢٠١) مسند العراق: سير أعلام النبلاء ٩/ ٢٤٩ (٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>