للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك. وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: أقلّ من دعي للمحنة سبعة أنفس، وهم: يحيى بن معين، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأحمد بن إبراهيم الدورقيّ، وإسماعيل الجزريّ، ومحمّد بن سعد كاتب الواقدي، وأبو مسلم مستملي [يزيد بن هارون] (١) فأجابوا، ولو كانوا صبروا وقاموا لله لكان انقطع الأمر وحذر الرجل- يعني المأمون- ولكن، لمّا أجابوا وهم عين البلد اجترأ على غيرهم. وكان أبو عبد الله إذا ذكرهم يغتمّ ويقول: هم أوّل من ثلم هذه الثلمة. وقال حنبل: حدّثني أبي قال: ورد كتاب المأمون من الروم على بغداد إلى إسحاق بن إبراهيم (٢) يأمره بامتحان أبي عبد الله ابن حنبل وعبيد الله بن عمر القواريريّ والحسن بن حمّاد المعروف بسجّادة ومحمّد بن نوح، فوجّه إليهم إسحاق وأحضرهم، فأدخلوا على إسحاق فامتحنهم، فأبى أبو عبد الله والقوم أن يجيبوا. فلمّا كان بعد يوم أو يومين دعا إسحاق بالقواريريّ وسجّادة من الحبس وهما مقيّدان فسألهما فأجاباه فخلّى عنهما. وكان أبو عبد الله رحمه الله يقيم عذرهما ويقول: أليس قد حبسا وقيّدا؟ قال الله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل: ١٠٦]. ثمّ قال أبو عبد الله رحمه الله: القيد كره، والحبس كره، والضرب كره، فأمّا إذا لم ينل بمكروه فلا عذر له.

قال أبو عبد الله رحمه الله: وكان في الكتاب:

اقرأ عليهم لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١] فقرأ عليّ إسحاق: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فقلت: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: ١١] فقال لي إسحاق: ما أردت بهذا؟ قلت: قرأت كلام الله وذكرت ما وصف به نفسه سبحانه وتعالى ولم أزد في كتابه شيئا.

قلت (٣): انظر كيف فتح الله على الإمام أحمد بإقامة حجّته في إثبات الصفات من الآية التي احتجّوا عليه بها فكان الذي استدلّوا به دليلا له لا عليه رضي الله عنه.

ثمّ ورد كتاب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم بحمل أبي عبد الله ومحمد بن نوح (٤) إليه ببلاد الروم فحملا.

وسأل رجل أبا عبد الله فقال له: إن عرضت على السيف تجيب؟ قال: لا أجيب.

وذكر البيهقيّ وابن الجوزيّ كلّ منهما بسنده إلى إبراهيم بن عبد الله البصريّ (٥) أنّه قال: قال أحمد بن حنبل: ما سمعت كلمة كانت أقوى لقلبي من كلمة كلّمني بها أعرابي في رحبة طوق (٦)، قال: يا أحمد إن يقتلك الحقّ متّ شهيدا وإن عشت عشت حميدا. قال البيهقيّ: زاد غيره- أي غير إبراهيم البصريّ- أنّه قال: يا أبا عبد الله، تحبّ الله؟ قال: قلت نعم، قال: فإنّك إن أحببت الله أحببت لقاءه، ثمّ مضى فلم أزل انظر


(١) النفر السبعة: سقط منهم هنا: إمّا إسماعيل بن داود وإمّا إسماعيل ابن أبي مسعود.
انظر الطبريّ في سنة ٢١٨ والكامل في نفس السنة.
وعند ابن الجوزيّ ٣٢٤، هم: يحيى بن معين، أبو خيثمة، أحمد الدورقيّ، القواريريّ، سعدويه، سجّادة وأحمد بن حنبل. وقيل: خلف المخزوميّ.
(٢) إسحاق بن إبراهيم الخزاعيّ (ت ٢٣٥) صاحب الشرطة ببغداد أيّام المأمون: الزركليّ ١/ ٢٨٣.
(٣) أي حنبل بن إسحاق.
(٤) محمد بن نوح المضروب: تاريخ بغداد ٣/ ٣٢٢ (١٤٢٥).
(٥) إبراهيم بن عبد الله الكجّيّ صاحب السنن (ت ٢٩٢):
أعلام النبلاء ١٣/ ٤٢٣ (٢٠٩).
(٦) هي رحبة مالك بن طوق على الفرات بين الرقة وبغداد (ياقوت).

<<  <  ج: ص:  >  >>