أفي كلّ يوم فارس تندبونه ... له عورة وسط العجاجة بادية؟
يكفّ بها عنه عليّ سنانه ... ويضحك منها في الخلاء معاوية
بدت أمس من عمرو فقنّع رأسه ... وعورة بسر مثلها حذو حاذية
فقولا لعمرو وابن أرطاة انظرا ... سبيلكما لا تلقيا اللّيث ثانية
٥ ولا تحمدا إلّا الخصا وخصاكما ... هما كانتا والله للنفس واقية
فلولاهما لم تنجوا من سنانه ... وتلك بما فيها عن العود ناهية
متى تلقيا الخيل المشيحة صبحة ... وفيها عليّ فاتركا الخيل ناحية
وكونا بعيدا حيث لا يبلغ القنا ... وحمي الوغى، إنّ التجارب كافية
وإن كان منه بعد في النفس حاجة ... فعودا إلى ما شئتما، هي ماهية
فكان بسر بعد ذلك إذا لقي الخيل التي فيها عليّ رضي الله عنه، تنحّى ناحية. وتحامى فرسان أهل الشام عليّا.
فلمّا انقضت أيّام صفّين بعثه معاوية في سنة أربعين- وقيل: سنة اثنتين وأربعين- على ثلاثة آلاف فارس. فسار حتى قدم المدينة النبويّة، وعليهاأبو أيّوب الأنصاريّ من قبل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ففرّ منه إلى عليّ. ودخل بسر المدينة بغير قتال، فصعد المنبر فنادى عليه:
يا دينار، يا نجّار، يا زريق- وهذه بطون من الأنصار رضوان الله عليهم- ثم قال: أين شيخي الذي عهدته ههنا بالأمس؟ - يعني عثمان رضي الله عنه- ثم قال: يا أهل المدينة، والله لولا ما عهده إليّ معاوية، ما تركت فيها محتلما إلّا قتلته [٢٤٦ ب].
[[عسفه بأهل المدينة]]
ثم أمر أهل المدينة بالبيعة لمعاوية، وأرسل لبني سلامة فقال: ما لكم عندي أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله.
فأخبر جابر رضي الله عنه، فانطلق حتى جاء أمّ سلمة رضي الله عنها، فقال لها: يا أمّ المؤمنين، ماذا ترين؟ فإنّي خشيت أن أقتل، وهذه بيعة ضلال.
فقالت: أرى أن تبايع. وقد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع.
فأتى جابر بسرا فبايعه لمعاوية. وهدم بسر دورا بالمدينة، وأقام بها شهرا يستعرض الناس، لا يقال له عن أحد إنّه شرك في دم عثمان إلّا قتله.
ثم انطلق حتى أتى مكّة، وبها أبو موسى [٣٠٠ أ] الأشعري رضي الله عنه، فخافه على نفسه أن يقتله فهرب. فقيل ذلك لبسر، فقال: ما كنت لأقتله وقد خلع عليّا.
وكتب أبو موسى إلى اليمن: إنّ خيلا مبعوثة من عند معاوية تقتل الناس، تقتل من أبى أن يقرّ بالحكومة (١).
وأكره بسر الناس بمكّة أيضا على البيعة لمعاوية. ثم مضى إلى اليمن وعليها عبيد الله بن العبّاس، ففرّ منه إلى الكوفة حتى أتى عليّا رضي الله عنه، واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد المدان الحارثيّ- وقيل: بل استخلف عمرو بن أراك الثقفيّ- فقتله بسر وقتل ابنه. ولقي
(١) في المخطوط: إن كفر بالحكومة، والإصلاح من الطبري ٥/ ١٨٩ (سنة ٤٠).