للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقالوا: هيهات أن يدخل في نجوانا أحد من بني الحبط.

فغضب وسار إلى الحجّاج في مائة رجل، فسرّ به وقال له: ما أبالي من تخلّف بعدك.

وسعى قتيبة بن مسلم في قومه من بني أعصر، وأقبل بهم إلى الحجّاج، وكان قد يئس من الحياة، فاطمأنّ لقدوم هؤلاء. ثمّ أتاه طائفة بعد أخرى، فأصبح في ستّة آلاف وقد قوي. فاستشار ابن الجارود أصحابه، فقال له عبيد الله بن زياد بن ظبيان: تركت الرأي أمس حين قال لك الغضبان:

تعشّ بالجدي قبل أن يتغدّى بك! وقد ذهب الرأي.

فقال: لا يهولنّكم ما ترون من كثرتهم.

وتزاحفوا، وعلى ميمنة ابن الجارود الهذيل بن عمران وعلى ميسرته عبيد الله بن زياد بن ظبيان.

وعلى ميمنة الحجّاج قتيبة بن مسلم، وقيل:

عبّاد بن الحصين، وعلى ميسرته سعيد بن أسلم، فانحلّت الحرب على قتل ابن الجارود بسهم غرب. فنادى منادي الحجّاج بأمان الناس إلّا الهذيل وعبد الله بن حكيم، وأمر أن لا يتّبع المنهزمون، وقال: الاتّباع من سوى الغلبة.

وبعث إلى المهلّب برأس [ابن] الجارود وثمانية عشر رأسا من الوجوه ليراها الخوارج، وحبس طائفة. وكان ممّن خرج مع ابن الجارود عبد الله بن مالك الأنصاري، فقال الحجّاج: لا أرى أنسا يعين عليّ. ودخل البصرة فأخذ ماله وأمر بإحضاره، فحين دخل عليه أنس قال: لا مرحبا ولا أهلا! إيه يا لعنة الله عليك من شيخ صلّابة جوّال في الدين، مرّة مع أبي تراب، ومرّة مع ابن الزبير، ومرّة مع ابن الجارود. أما والله لأجرّدنّك تجريد الضبّ ولأعضبنك عضب السلمة ولأقلعنّك قلع الصّمغة!

فقال أنس: من يعني الأمير؟

قال: إيّاك أعني، أصمّ الله صداك!

[[تعنيفه أنس بن مالك]]

فقام عنه أنس وركب إلى عبد الله يشكو الحجّاج، فكتب عبد الملك إلى الحجّاج: أمّا بعد، يا ابن أمّ الحجّاج، فإنّك قد طمت بك الأمور فعلوت فيها حتّى عدوت طورك وجاوزت قدرك يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب! (١) لأغمزنّك غمزة كبعض غمزات الليوث الثعالب، ولأخبطنّك خبطة تودّ لها أنّك رجعت في مخرجك من بطن أمّك!

أما تذكر حال آبائك في الطائف حيث كانوا ينقلون الحجارة على ظهورهم، ويحفرون الآبار بأيديهم في أوديتهم ومياههم؟ أم نسيت حال آبائك في اللّؤم والدناءة في المروءة والخلق؟

وقد بلغ أمير المؤمنين الذي كان منك إلى أنس بن مالك جرأة وإقداما. وأظنّك أردت أن تسبر ما عند أمير المؤمنين في أمره فتعلم إنكاره ذلك وإغضاءه عنك، فإن سوّغك ما كان [٣٢٥ أ] منك مضيت عليه قدما. والله لقد هممت أن أركلك ركلة تهوي بها إلى نار جهنّم. قاتلك الله! فعليك لعنة الله من عبد أخفش العينين أصكّ الرجلين ممسوح الجاعرتين! ولولا أنّ أمير المؤمنين يظنّ أنّ الكتاب كثير (٢) عن الشيخ إلى أمير المؤمنين فيك لأتاك من يسحبك ظهرا لبطن حتى يأتي بك أنسا فيحكم فيك.

فأكرم أنسا وأهل بيته، واعرف له حقّه وخدمته رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا تقصّرنّ في شيء من حوائجه، ولا يبلغنّ أمير المؤمنين عنك خلاف ما تقدّم فيه


(١) انظر: اللسان: فرم.
(٢) هكذا في المخطوط، والعبارة غامضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>