ولم يعطه شيئا.
وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجّاج يأمره بقتل أسلم بن عبد البكريّ لشيء بلغه عنه.
فأحضره الحجّاج فقال: أمير المؤمنين غائب وأنت حاضر، والله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: ٦]. والذي بلغه عنّي باطل، فاكتب إليه أنّي أعول أربعا وعشرين امرأة، وهنّ بالباب.
فأحضرهنّ الحجّاج، فقال: هذه أمّه، وهذه عمّته، وهذه زوجته وهؤلاء بناته حتى كانت في آخرهنّ جارية قاربت عشر سنين، [ف] قال لها الحجّاج: من أنت؟
قالت: ابنته، أصلح الله الأمير!
ثمّ أنشأت تقول [الطويل]:
أحجّاج لو تشهد مقام بناته ... وعمّاته يندبنه الليل أجمعا
أحجّاج كم يقتل به أن قتلته ... ثمانا وعشرا واثنين وأربعا
أحجّاج من هذا يقوم مقامه ... علينا، فمهلا إن تزدنا تضعضعا
أحجّاج إمّا أن تجود بنعمة ... علينا وإمّا أن تقتّلنا معا
فبكى الحجّاج وقال: «والله لا أعنت الدهر عليكنّ ولا زدتكنّ تضعضعا! »، وكتب إلى عبد الملك بخبر الرجل والجارية، فكتب إليه:
«إن كان الأمر كما ذكرت فأحسن صلته، ونفّل الجارية»، ففعل.
[[معايبه]]
وقال أبو بكر بن عيّاش عن عاصم، قال:
سمعت الحجّاج بن يوسف يقول: وقد يلي هذه الأمة [ ... ]، فاتّقوا الله واسمعوا وأطيعوا! هي لعبد الملك أمين الله وخليفته، ليس فيها مثنويّة.
والله لو أمرت رجلا أن يخرج من باب المسجد فخرج من غيره لحلّ لي دمه. والله لو أخذت ربيعة بمضر لكان ذلك لي حلالا. يا عجبي لعبد هذيل يزعم أنّه يقرأ قرآنا من عند الله! والله ما هو إلّا رجز من رجز الأعراب. والله لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه- يعني عبد الله بن مسعود- يا عجبا لهذه الحمراء- يعني الموالي- إنّ أحدا ليأخذ الحجر فيرمي به يقول: لا يقع هذا حتى يكون خير.
قال أبو بكر بن عيّاش: فحدّثت بهذا الحديث الأعمش، فقال: وأنا قد سمعته يقول ذلك. فقلت في نفسي: لأقرأنّ بها رغم أنفك.
وقال الأوزاعي: قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كلّ أمّة بخبيثها وجئنا بالحجّاج لغلبناهم!
وقال منصور: سألنا إبراهيم النخعيّ عن الحجّاج، فقال: ألم يقل الله تعالى: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ؟ [هود: ١٨].
وقال الشافعيّ: بلغني أنّ عبد الملك بن مروان قال للحجّاج: ما أحد إلّا وهو عارف بعيوب نفسه، فعب نفسك ولا تخبأ منها شيئا!
قال: يا أمير المؤمنين، أنا لجوج حقود حسود محبّ لسفك الدماء.
فقال عبد الملك: إذن، بينك وبين إبليس نسب؟
فقال: إنّ الشيطان إذا رآني سالمني.
وفي رواية: قال عبد الملك للحجّاج: صف لي عيبك!
فقال: أنا حسود حقود لجوج ذو قسوة.
فقال: ما في إبليس شرّ من هذا!