وبلغ كلامه خالد بن صفوان، فقال: لقد استحلّ الشرّ بحذافيره والمروق من جميع الخير ب [ت] زويره، ولقد تأنّق في ذمّ نفسه وتحرّم في الدلالة على لؤم طباعه وإفراط كفره وشدّة الشكالة لشيطانه الذي أغواه.
وقال الحسين: سمعت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على [٣٣٠ ب] المنبر بالكوفة يقول:
«اللهمّ، كما نصحتهم فغشّوني، وائتمنتهم فخافوني، فابعث عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم وأموالهم بحكم الجاهليّة! » فوصفه عليّ وقال: الدجّال مفجّر الأنهار يأكل خضرتها ويلبس فروتها.
ثمّ قال الحسن: هذه والله صفة الحجّاج.
وقال حبيب بن أبي ثابت: قال عليّ رضي الله عنه لرجل: لا تموت حتى تدرك فتى ثقيف.
قيل له: يا أمير المؤمنين، ما فتى ثقيف؟
قال: ليقالنّ له يوم القيامة: اكفنا زاوية من زوايا جهنّم، رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين سنة، لا يدع لله معصية إلّا ارتكبها حتى لو لم يبق إلّا معصية واحدة، وبينه وبينهما باب مغلق، لكسره حتى يرتكبها، يقتل من عصاه بمن أطاعه.
وقال سفيان بن سعيد الثوريّ عن سلمة بن كهيل: اختلفت أنا وذرّ المرهبيّ في الحجّاج، فقال: مؤمن، وقلت: كافر.
وقال الأعمش: والله لقد سمعت الحجّاج يقول: يا عجبا من عبد هذيل! يزعم أنّه يقرأ قرآنا من عند الله. والله ما هو إلا رجز من رجز الأعراب! والله لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه! (١).
ويروى أنّ الحجّاج مرّ بخالد بن يزيد بن معاوية، وهو يخطر في مشيه، فقال رجل لخالد:
من هذا؟
فقال: بخ! بخ! هذا عمرو بن العاص!
فسمعه الحجّاج، فرجع وقال: والله ما يسرّني أنّ العاص ولدني، ولكنّي ابن الأشياخ من ثقيف والعقائل من قريش! وأنا الذي ضربت بسيفي هذا مائة ألف كلّهم يشهد أنّ أباك كان يشرب الخمر ويضمر الكفر.
ثمّ ولّى وهو يقول: بخ! بخ! عمرو بن العاص!
ويروى أنّه أحصي عدّة من قتله الحجّاج فكانوا مائة وعشرين ألفا.
وقال المدائني عن عامر بن حفص: وكان الحجّاج يطعم أهل السجن دقيق الشعير والرماد مخلوطين. ويقال: إنّه كان يخلط لهم في ذلك الملح أيضا.
وكان الحجّاج أخفش منسلق الأجفان.
وخطب يوما فقال: اللهمّ أرني الغيّ غيّا فأجتنبه، وأرني الهدى هدى فأتبعه، ولا تكلني إلى نفسي فأضلّ ضلالا بعيدا. والله ما أحبّ أنّ ما مضى من الدنيا لي بعمامتي هذه. ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء.
وأراد الحجّ، فخطب الناس فقال: أيّها الناس، إنّي أريد الحجّ واستخلفت عليكم ابني هذا، وأوصيته فيكم بخلاف ما أوصى به رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الأمصار: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أوصى أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم. ألا وإنّي قد أوصيت ألّا يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم! ألا وإنّكم ستقولون بعدي مقالة لا يمنعكم من إظهارها إلّا مخافتي: ستقولون
(١) مرّ بنا هذا القول.