للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عدّة في سبيل الله

ووسم على أفخاذ الخيل:

الملك لله

وأقام على ما كان عليه من لبس الدون الخشن وتناول القليل من الطعام الغليظ.

وقدم عليه أخوه أبو العبّاس [٤٤١ ب] برقّادة فسرّ به.

وخرج في شهر رمضان من رقّادة واستخلف على إفريقيّة أخاه أبا العبّاس وأبا زاكي. وسار في جيوش عظيمة فاهتزّ الغرب لخروجه وخافته زناتة وتنحّت القبائل عن طريقه وأتته رسلهم بالطاعة له.

فلمّا قارب سجلماسة بعث إلى اليسع صاحبها يتلطّف به، ويقول: «لم أقصد حربك، ولكنّ لي حاجة مهمّة عندك»، ووعده بالجميل. فلمّا أتته كتبه رمى بها وقتل الرسل، فعاوده بالملاطفة خوفا على عبيد الله المهدي- ولم يذكره له- فقتل الرسول أيضا، وخرج فقاتل أبا عبد الله يومه على ظاهر سجلماسة، فلمّا جنّهم الليل افترقوا، وهرب اليسع وأصحابه. وبات أبو عبد الله في غمّ عظيم لا يدري ما صنع بالمهديّ وولده. فلمّا أصبح خرج إليه أهل سجلماسة وأعلموه بهرب اليسع، فدخل أبو عبد الله بأصحابه المدينة، وقصد المكان الذي فيه عبيد الله المهدي، وأخرجه وولده وأركبهما، ومشى هو ورؤساء القبائل بين أيديهما، وأبو عبد الله يقول للناس: «هذا مولاكم»، وهو يبكي من شدّة الفرح، حتى وصل إلى الفسطاط الذي ضرب له، فنزل فيه. وحصل في الناس من المسرّة ما كاد يذهب بعقولهم. وأمر أبو عبد الله بطلب اليسع فأخذ وضرب بالسياط ثم قتل (١).

وسار بالمهديّ إلى رقّادة، فلمّا قاربها مشى أبو عبد الله وجمع القبائل في ركاب المهدي حتّى نزل القصر وسلّمه الأمر كلّه. فتصرّف فيه على ما اقتضاه رأيه.

[تمرّد الداعي على المهدي]

فحسده أبو العبّاس أخو أبي عبد الله، وأخذ يزري عليه في مجلس أخيه. وما زال بأخيه أبي عبد الله حتى غيّره. وكان المهديّ لم يترك لأبي عبد الله ولا لأخيه أمرا، فواجه أبو عبد الله المهديّ بما في نفسه وقال له: يا مولانا، لو كنت تجلس في قصرك، وتتركني مع كتامة آمرهم وأنهاهم علىحسب ما عوّدتهم، لأنّي عارف بأخلاقهم، لكان ذلك أهيب لك في أعين الناس.

وكان المهدي قد بلغه ما كان من مفاوضة أبي العبّاس مع أخيه أبي عبد الله، فعند ما واجهه أبو عبد الله بهذا، تحقّق صدق ما نقل إليه، غير أنّه ردّ ردّا لطيفا، ولم يظهر له شيئا.

وكثر القول من أبي عبد الله وأخيه، وأخذ أبو العبّاس يغري بالمهدي سرّا فيصل ذلك إلى المهدي، ويتغافل. وزاد الأمر حتى اجتمعوا على قتل المهديّ غدرا. وكان غزويه بن يوسف (٢) يدخل [٤٤٢ أ] معهم ويخبر المهديّ بما جرى، فاتّفق أنّهم اجتمعوا في دار أبي زاكي ومعهم أبو عبد الله. فلمّا كان الصبح خرج أبو عبد الله على عادته، وقد لبس ثوبه مقلوبا، فدخل على المهديّ فسلّم عليه وخرج. فلم يذكر له المهديّ شيئا. ثمّ دخل عليه في اليوم الثاني والثالث وثوبه مقلوب


- مات بمشيئته لأنّه امتنع عن الأكل والشرب، وقد صفح عنه المهديّ.
(١) هذه رواية الكامل ٦/ ١٣٣، وفي عيون الأخبار ١٦٢ أنّه-
(٢) لم يسمّ هذا الجاسوس في الكامل، ولا في عيون الأخبار. وسيتضامن هذا الزعيم الملوسي مع أخيه حباسة فيقتله المهديّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>