للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الحجّاج: الخيار يومئذ لله.

قال: أجل، ولكن لا تدري لمن يجعله الله!

فغضب الحجّاج وقال: يا هناه، إنّك من محارب!

فقال [الطويل]:

وللحرب سمّينا وكنّا محاربا ... إذا ما القنا أمسى من الطعن أحمرا (١)

فقال الحجّاج: لهممت والله أن أخلع لسانك فأضرب به وجهك!

فقال: إن صدقنا لك أغضبناك، وإن غششناك أغضبنا الله، فغضب الأمير أهون علينا من غضب الله.

فقال: «أجل»، وسكن.

وشغل الحجّاج ببعض الأمر، فانسلّ جامع وهرب.

[[بعض خطبه]]

وخرج الحجّاج يوما من القصر بالكوفة فسمع تكبيرا بالسوق فراعه ذلك، فصعد المنبر فقال بعد حمد الله والثناء عليه: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق ومساويء الأخلاق، وبني اللكيعة، وأولاد العصا، وأبناء الإماء والفقع بالقرقر [ة] (٢)، إنّي سمعت تكبيرا لا يراد به الله، وإنّما يراد به الشيطان. وإنّما مثلي ومثلكم كما قال عمرو بن برّاقة (٣) الهمداني [الطويل]:

وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يآل همدان ظالم؟

متى تجمع القلب الذكيّ وصارما ... وأنفا حميّا تجتنبك المظالم

أما والله لا تقرع عصا [ب] عصا [ي] إلّا جعلت [هـ] اكأمس الدابر!

وخطب أهل العراق بعد وقعة دير الجماجم، فقال: [٣٣٤ أ] يا أهل العراق، إنّ الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم والدم، والعصب والمسامع والأطراف، والأعضاء والشغاف، ثمّ أفضى إلى الأمخاخ والأصماخ، ثمّ ارتفع فعشّش، ثمّ باض وفرّخ فحشاكم نفاقا وشقاقا، وأشعركم خلافا، فاتّخذتموه دليلا تتبعونه، وقائدا تطيعونه، ومؤامرا تستشيرونه. فكيف تنفعكم تجربة أو تعطفكم وقعة أو يحجزكم إسلام أو ينفعكم بيان؟

ألستم أصحابي بالأهواز حيث رمتم المكر، وسعيتم بالغدر، واستحببتم الكفر، وظننتم أنّ الله يخذل دينه وخلافته، وأنا أرميكم بطرفي، وأنتم تنسّلون لوذا وتنهزمون سراعا. ثمّ يوم الزاوية، وما يوم الزاوية! بها كان فشلكم وتنازعكم وتخاذلكم وبراءة الله منكم، ونكوص وليّكم عنكم، إذ ولّيتم كالإبل الشوارد إلى أوطانها، النوازع إلى أعطانها، لا يسأل المرء عن أخيه ولا يلوي الشيخ على بنيه، حتى عضّكم السلاح، وقمرتكم الرماح.

ثمّ يوم دير الجماجم، وما دير الجماجم! بها كانت المعارك والملاحم، بضرب يزيل الهام عن مقيله (٤) ويذهل الخليل عن خليله. يا أهل العراق، الكفرات بعد الفجرات، والغدرات بعد


(١) البيت في البيان والتبيين ٢/ ٦٨، وقال: هو للخضريّ.
(٢) في العقد ٤/ ١١٥: بالقرقرة. والفقع: الكمأة، والقرقرة: الأرض المنخفضة.
(٣) في العقد ١/ ١١٩: ابن برّاقة الهمدانيّ و ٤/ ١١٥: ابن برّاق الهمداني، وفي عيون الأخبار ١/ ٢٣٧: لمالك بن حريم وهو بعض لصوص همدان.
(٤) الخطبة في العقد ٤/ ١١٦ والبيان والتبيين ٢/ ١٣٩ ونهج البلاغة ١/ ٢٧٦ وبمهرة أحمد زكي صفوت ٢/ ٢٩٤.
والمنتظر في كلامه بضرب ... عن مقبلها، ولكنّه ضمّن رجزا لعمّار بن ياسر كما قال ناشر النهج:
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله

<<  <  ج: ص:  >  >>