للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[فقال سليمان: ] أيّ شتم هذا؟ إنّ عدوّ الله الحجّاج كتب لي: «إنّما أنت نقطة، فإن رأيت فيّ ما رأى أبوك وأخوك [٣٣٣ ب] كنت لك كما كنت لهما (١). وإلّا فأنا الحجّاج وأنت نقطة، فإن شئت محوتك، وإن شئت أثبّتك! »، فالعنوه لعنه الله!

فأقبل الناس يلعنون [هـ]، فقام بلال ابن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعريّ فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرك عن عدوّ الله بعلم.

قال: هات.

قال: كان عدوّ الله يتزيّن تزيّن المومسة ويصعد المنبر فيتكلّم بكلام الأخيار، وإذا نزل عمل أعمال الفراعنة، و [كان] أكذب في حديثه من الدجّال.

فقال سليمان لرجاء بن حيوة: هذا وأبيك الشتم! لا ما تأتي به هذه السّفلة.

وعن عوانة قال: قطع ناس من عمرو بن تميم وحنظلة على الحجّاج، فكتب إليهم: أمّا بعد، فإنّكم قد استحضتم (٢) الفتنة- وفي رواية: قد استنتجتم الفتنة- فلا عن حقّ تقاتلون ولا عن منكر تنتهون. وايم الله! إني لأهمّ أن يكون أوّل ما يرد عليكم من قبلي خيل تنسف الطارف والتالد (٣)، وتخلّي النساء أيامى، والأبناء يتامى. فأيّما رفقة مرّت بماء، فأهل ذلك الماء ضامنون لها حتى تصير إلى الماء الذي تليه، تقدمة منّي إليكم، والسعيد من وعظ بغيره!

وكان الحجّاج يقول: أخطب الناس صاحب العمامة السوداء بين أخصاص البصرة، إذا شاء خطب، وإذا شاء سكت- يعني الحسن بن أبي

[الحسن يسار] البصريّ (٤).

وقال يوما لعبد الملك بن مروان: لو كان رجل من ذهب لكنته.

قال: وكيف ذاك؟

قال: لم تلدني أمة بيني وبين آدم إلّا هاجر.

فقال: لولا هاجر لكنت كلبا من الكلاب!

وكان الحجّاج يستعمل زياد بن عمرو العتكيّ، فلمّا أتى عبد الملك في الوفد، والحجّاج حاضر، قال زياد: «يا أمير المؤمنين، إنّ الحجّاج سيفك الذي لا ينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم»، فلم يكن بعد ذلك أخفّ عليه منه (٥).

وكتب الحجّاج إلى عامل له بفارس: ابعث إليّ من عمل خلّار، من النحل الأبكار، من شرح الدفتسشار، الذي لم تمسّه النار.

وشكا الحجّاج لجامع المحاربي (٦) سوء طاعة أهل العراق، فقال: أما إنّهم لو أحبّوك لأطاعوك، على أنّهم ما شنئوك لنسبك، ولا لبلدك، ولا لذات نفسك. فدع ما يبعدهم منك إلى ما يقرّبهم إليك. والتمس العافية ممّن دونك تعطها ممّن فوقك. وليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك!

فقال الحجّاج: إنّي والله ما أرى أن أردّ بني اللكيعة إلى طاعتي إلّا بالسيف!

فقال: أيّها الأمير، إنّ السيف إذا لاقى السيف ذهب الخيار.


(١) أبوه عبد الملك بن مروان وأخوه الوليد بن عبد الملك.
وقد تولّى سليمان بعد الوليد سنة ٩٦.
(٢) في العقد ١/ ٥١: استخفّتكم.
(٣) في المخطوط: والتالف.
(٤) الحسن البصري: انظر ترجمته في الوفيات ٢/ ٦٩ (١٥٦).
(٥) العقد ٢/ ١٣٧.
(٦) العقد ٢/ ١٧٩ و ٤/ ١١٤، وقال: وكان جامع شيخا صالحا لبيبا خطيبا جريئا على السلطان.

<<  <  ج: ص:  >  >>