للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أسألك باسمك الذي ملأت به العرش: إن كنت تعلم أنّي على الصواب فلا تهتك لي سترا. وفي رواية أنه قال: يا من لا يعلم العرش منه أين هو إلّا هو، إن كنت على الحقّ فلا تبد عورتي، اه.

وذكر البيهقي أنّه لمّا ضرب أوّل سوط قال:

باسم الله، وفي الثاني قال: توكّلت على الله، وهذا في رضى الله. وفي الثالث قال: ما شاء الله كان وكلّ شيء بمقدار وفي الرابع قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. وفي الخامس قال: يا أمير المؤمنين إنّك موقوف ومسائل عنّي بين يدي ربّ لا يظلم ويأخذ للمظلوم من الظالم. وفي السادس قال: يا أمير المؤمنين سألتك بالله والدار الآخرة! (قال) وهو لا يرفع رأسه إليه. وفي السابع قال: اذكر الوقوف بين يدي الله كوقوفي بين يديك لا تستطيع منعا ولا عن نفسك دفعا. فلمّا ضربه الثامن اضطرب المئزر في وسطه. قال المروزي، وعبّاس بن مسكويه الهمدانيّ: لقد رأينا أحمد رفع رأسه إلى السماء وحرّك شفتيه، فما استتمّ الدعاء حتّى رأينا كفا من ذهب قد خرج من تحت مئزره فردّ المئزر إلى موضعه بقدرة الله تعالى فضجّت العامّة وهمّوا بالهجوم على دار السلطان، فأمر بحلّه. قال المروزيّ وابن مسكويه: فدخلنا على أبي عبد الله فقلنا: أيّ شيء كان تحريك شفتيك عند اضطراب المئزر؟ قال: رفعت بصري إلى السماء وناديت: يا غياث المستغيثين ويا إله العالمين، إن كنت تعلم أنّي قائم بحقّ فلا تهتك عورتي! فاستجاب الله دعائي. (قال) فكان إسحاق بن إبراهيم يقول: أنا والله رأيت يوم ضرب أحمد وقد ارتفع السراويل من بعد انخفاضه وانعقد من بعد انحلاله، وما رأيت يوما كان أعظم على المعتصم من ذلك اليوم، والله لو لم يرفع عنه الضرب لم يبرح من مكانه إلّا ميتا، اه. كلام البيهقيّ.

ورأيت في بعض التواريخ أنّ الخليفة المعتصم أخذه عقب ذلك صفار، وكان ينتبه من الليل مذعورا، وربّما سمع وهو يقول: ما لي ولأحمد؟

كأنّه يعذّب، إلى أن مات.

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: كنت كثيرا [ما] أسمع والدي يقول: رحم الله أبا الهيثم، غفر الله لأبي الهيثم، عفا الله عن أبي الهيثم! فقلت له: يا أبة، من أبو الهيثم؟ قال: ألا تعرفه؟ قلت: لا.

قال: لمّا أخرجت إلى السياط ومدّت يداي للعقابين (١)، إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي: أتعرفني؟ قلت: لا. قال: أنا أبو الهيثم العيّار اللصّ الطرّار (٢)، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أنّي صربت ثمانية عشر ألف سوط [بالتفاريق] وإنّما صبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا، فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين! .

[فصل في ما وقع له رضي الله عنه بعد انقضاء المحنة]

قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: دعا المعتصم بإسحاق عمّ أحمد بن حنبل. ثمّ قال للناس: تعرفونه؟ قالوا: نعم [هو أحمد بن حنبل] (٣). قال: فانظروا إليه، أليس هو صحيح البدن؟ ولولا أنّه فعل ذلك لوقع شرّ لا يقدر على دفعه. فلمّا قال: قد سلّمته إليكم صحيح البدن هدأ الناس وسكتوا.

وكان ابن أبي دواد يحاول الخليفة على حبس


(١) في المخطوط: وقدّمت للعقاب. وقد مرّت بنا العقابان والهنتازان.
(٢) الطرّار: السارق الذي يشقّ كمّ الرجل ويأخذ ما فيه (اللسان، والطرّ القطع).
(٣) الزيادة من أعلام النبلاء ١١/ ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>