للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبي عبد الله وعدم إطلاقه ويقول: يا أمير المؤمنين، احبسه فإنّه فتنة! فغضب المعتصم وقال لنائبه: يا إسحاق، أطلقه. قال أبو عبد الله: فلم يجد بدّا من أن يخلّي عنّي، ولولا ذلك لكان قد حبسني. وقال المعتصم لهم: ليس هذا كما وصفتم. قال البيهقي: وذلك أنّهم وضعوا من قدره وقلّلوه وصغّروه عنده، فلمّا شاهده ورأى ما عنده عرف له فضله.

وقال ميمون بن الأصبغ: أخرج أحمد بعد أن اجتمع الناس وضجّوا حتّى خاف السلطان فخرج.

قال البيهقيّ: قال حنبل: وخلع عليه المعتصم مبطّنة وقميصا وطيلسانا وخفّا وقلنسوة، وأخرج على دابّة عند غروب الشمس، فصار إلى منزله ومعه الناس فدخل منزله ورمى بنفسه على وجهه وخلع ما كان خلع عليه فأمر به فبيع وأخذ ثمنه فتصدّق به. وبلغنا أنّ أبا إسحاق- يعني المعتصم- ندم وأسقط في يده، وأمر إسحاق نائبه أن لا يقطع عنه خبره، فكان إسحاق يأتينا كلّ يوم يتعرّف خبره حتّى صحّ وبرأ بعد العلاج وخرج للصلاة والحمد لله. فلمّا مات المعتصم وولي ابنه هارون الواثق أكثر الناس من الأخذ عن الإمام [٥ أ] أحمد فشقّ ذلك على أهل البدع، فكتب الحسن بن علي [بن] الجعد قاضي بغداد (١) إلى ابن أبي دواد أنّ أحمد قد انبسط في الحديث. فلمّا بلغ أبا عبد الله أمسك عن التحديث من نفسه من غير أن يمنع. واستمرّ ابن أبي دواد يحسّن للواثق امتحان الناس بخلق القرآن، ففعل ذلك ولكنّه لم يتعرّض للإمام أحمد. قال الحافظ أبو الفرج: إمّا لما علم من صبره، أو لأنّه خاف على نفسه أن يعرض له شيء ببركته، يعني كما عرض لأبيه، إلّا أنّه أرسل يقول

له: لا تساكنّي بأرضي فاختفى إلى أن مات الواثق.

قال الحافظ أبو الفرج: وروي أنّ الواثق ترك امتحان الناس بسبب مناظرة جرت [ ... ] رأى بها أنّ الأولى ترك الامتحان. وذكر بسنده إلى طاهر بن خلف قال: سمعت المهتدي بالله محمد ابن الواثق قال: كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلا أحضرنا ذلك المجلس. فأتي بشيخ مخضوب مقيّد فقال أبي ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه- يعني ابن أبي دواد- ثمّ طلب الشيخ فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال له: لا سلّم الله عليك. فقال:

يا أمير المؤمنين، بئس ما أدّبك مؤدّبك! قال الله تعالى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها [النساء: ٨٦] والله ما حيّيتني بها ولا بأحسن منها. فقال ابن أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين الرجل متكلّم. فقال له: كلّمه! فقال: يا شيخ، ما تقول في القرآن؟ فقال له الشيخ: لم تنصفني، ولّني السؤال! (٢) فقال: سل! فقال له الشيخ: ما تقول في القرآن؟ قال: مخلوق. فقال: هذا شيء عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ الخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه؟ فقال: شيء لم يعلموه. فقال: سبحان الله! شيء لم يعلمه النبيّ صلّى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت؟ (قال) فخجل.

فقال: أقلني. قال: والمسألة بحالها. قال:

علموه ولم يدعوا الناس إليه. قال: أفلا وسعك ما وسعهم؟ (قال) ثمّ قام أبي فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول: هذا شيء لم يعلمه النبيّ صلّى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت؟ سبحان الله! شيء


(١) الحسن بن علي بن الجعد (ت ٢٤٢): تاريخ بغداد ٧/ ٣٦٤ (٣٨٨٣).
(٢) في أعلام النبلاء ١١/ ٣١٣: ولي السؤال.

<<  <  ج: ص:  >  >>