للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لك في كلّ شهر (١).

وأمّا أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطيّ (٢) فأريد منه القول بخلق القرآن فامتنع فحبس إلى أن مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. قال الربيع بن سليمان صاحب الشافعيّ: رأيت البويطي على بغل في عنقه غلّ وفي رجليه قيد وبين الغلّ والقيد سلسلة حديد فيها طوبة (٣) وزنها أربعون رطلا وهو يقول: إنّما خلق الله الخلق بكن، فإذا كانت كن مخلوقة فكأنّ مخلوقا خلق مخلوقا، والله لأموتنّ في حديدك حتى يأتي من بعدي قوم يعلمون أنّه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم، ولئن دخلت عليه- يعني الواثق- لأصدقنّه.

قلت (٤): وأعرضنا عن ذكر جماعة من الأعيان أجابوا في المحنة، تنزيها لمقامهم عن الشين، وإن كانت الإجابة منهم محمولة على أنّهم كانوا مكرهين.

[فصل في ما حصل لمن آذاه من العقوبة]

قال محمّد بن فضل: تناولت مرّة أحمد بن حنبل فحصل لي في لساني ألم لم أستطع معه القرار، فأتاني في بعض الليالي آت في المنام فقال لي: هذا بتناولك الرجل الصالح، وكرّر ذلك عليّ، فانتبهت فلم أزل أتوب إلى الله عزّ وجلّ ممّا قلت حتّى سكن ما بي.

وقال مسعر بن محمد بن وهب (٥): كنت مؤدّبا للمتوكّل قبل أن يلي الخلافة، فلمّا ولي أنزلني

حجرة من حجر الخاصّة فربّما كانت تعرض في فكرته مسألة في الدين فيوجّه إليّ فيسألني عنها.

وكان إذا جلس للخاصّة أقوم على رأسه فإن افتقدني دعاني حتى أقف موقفي لا يخليني منه ساعة إلّا في وقت خلوته. وإنّه كان يوما في مجلسه الذي كان يسمّى الوديع ثمّ قام منه حتّى دخل بيتا له من قوارير سقفه وحيطانه وأرضه وقد أجري الماء من أعلاه وأسفله وجوانبه بحيث يرى من هو داخله كأنّه جالس في جوف الماء، وقد فرش فيه من قباطي مصر ووسائدها ومخادّها الأرجوان. فجلس وعن يمينه الفتح بن خاقان وعبيد الله بن [يحيى بن] خاقان، وعن يساره بغا الكبير ووصيف، وأنا واقف في زاوية البيت اليمنى وخادم آخذ بعضادتي الباب، إذ ضحك المتوكّل فسكت القوم، فقال؛ ألا تسألوني ممّ ضحكت؟

فقالوا: ممّ ضحك أمير المؤمنين أضحك الله سنّة؟

فقال: أضحكني أنّي ذات يوم واقف على رأس الواثق وقد قعد للخاصّة في مجلسي الذي كنت فيه جالسا، وأنا واقف فجلس في مجلسي هذا.

ورمت الدخول فمنعت [٧ ب] ووقفت حيث الخادم واقف، وجلس ابن أبي دؤاد في مجلسك يا فتح وجلس محمد بن عبد الملك في مجلسك يا عبيد الله وجلس إسحاق بن إبراهيم في مجلسك يا بغا وجلس نجاح في مجلسك يا وصيف، إذ قال الواثق: والله لقد فكّرت فيما دعوت الناس إليه وسرعة إجابة من أجابنا وشدّة خلاف من خالفنا حتّى حملنا من خالفنا على السوط والسيف والضرب الشديد والحبس الطويل ولا يردعه ذلك ولا يردّه إلى قولنا، فوجدت من أجابنا رغب في ما في أيدينا فأسرع في إجابتنا رغبة منه في ما عندنا.

ووجدت من خالفنا منعه دين وورع عن إجابتنا وصبر على ما يناله من القتل والضرب والحبس.


(١) تاريخ بغداد ١٢/ ٢٧١.
(٢) البويطيّ: يوسف بن يحيى (ت ٢٣٢): أعلام النبلاء ١٢/ ٥٨ (١٣).
(٣) الطوبة الآجرّة من الطين المجفّف.
(٤) لا نتبين القائل هنا.
(٥) في أعلام النبلاء ١١/ ٢٩٣: المسعريّ محمد بن وهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>