للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إسماعيل قال: كان أحمد بن نصر خلّي فلمّا قتل في المحنة وصلب رأسه أخبرت أن الرأس يقرأ القرآن فمضيت فبتّ بالقرب من الرأس، وكان قد وكّل به من يحفظه. فلمّا هدأت العيون سمعت الرأس يقرأ القرآن الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت: ١ - ٢] فاقشعرّ جلدي. ثمّ رأيته بعد ذلك في المنام وعليه السندس والإستبرق وعلى رأسه تاج، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنّة [٧ أ] قال المروزيّ: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل- وذكر أحمد بن نصر، فقال: رحمه الله، ما كان أسخاه! لقد جاد بنفسه.

أمّا نعيم بن حمّاد (١) فكان من أهل مرو، طلب الكثير من الحديث بالحجاز والعراق ثمّ نزل مصر ثمّ أشخص منها في خلافة الواثق فسئل عن القرآن فلم يوافقهم على ما أرادوه منه- يعني القول بخلق القرآن فحبس حتّى مات.

وأمّا الحافظ أبو نعيم الفضل بن دكين (٢) فروى الحافظ أبو الفرج بسنده إلى محمد بن أحمد بن عمرو بن عيسى قال: سمعت أبي يقول: ما رأيت مجلسا أنبل من مجلس اجتمع فيه المشايخ بجامع الكوفة في وقت الامتحان، فقرئ عليهم الكتاب الذي فيه المحنة، فقال أبو نعيم: أدركت ثمانمائة شيخ ونيفا وسبعين شيخا، منهم الأعمش فمن دونه (٣) فما رأيت أحدا يقول بهذه المقالة- يعني بخلق القرآن- ولا تكلّم أحد بها إلّا رمي بالزندقة، فقام أحمد بن يونس فقبّل رأس أبي نعيم وقال له: جزاك الله خيرا عن الإسلام! وقال الإمام

أبو بكر ابن أبي شيبة لمّا أن جاءت المحنة إلى الكوفة: قال لي أحمد بن يونس: الق أبا نعيم فقل له! فلقيته فقلت له. فقال: إنّما هو ضرب الأسياط. ثمّ أخذ زرّ ثوبه وقال: رأسي أهون عليّ من هذا.

وأمّا عفّان بن مسلم (٤) فقال حنبل: كنت حاضرا عند عفّان بعد أن امتحن فسأله يحيى بن معين بحضور أبي عبد الله أحمد بن جنبل ونحن معه، فقال: يا أبا عثمان أخبرنا بما قال لك إسحاق بن إبراهيم في المحنة وما رددت عليه؟ .

فقال عفّان ليحيى بن معين: يا أبا زكريا، لم أسوّد وجهك ولا وجوه أصحابك- يعني أنّه لم يجب إلى القول بخلق القرآن. فقال له: فكيف كان؟

فقال: دعاني إسحاق بن إبراهيم، فلمّا دخلت عليه قرأ الكتاب الذي كتبه المأمون من أرض الجزيرة إلى الرقّة، فإذا فيه: امتحن عفّان وادعه أن يقول: القرآن كذا وكذا، فإن قال ذلك فأقرّه على أمره وإن لم يجبك فاقطع عنه الذي يجرى عليه- وكان المأمون يجري عليه في كلّ شهر خمسمائة درهم. قال عفّان: فلمّا قرأ عليّ الكتاب قال لي: ما تقول؟ فقرأت عليه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلى آخرها وقلت: أمخلوق هذا؟ فقال لي إسحاق:

يا شيخ إنّ أمير المؤمنين أمر إن لم تجب [بأن] يقطع عنك ما يجري عليك، وإن قطع عنك أمير المؤمنين قطعنا عنك نحن أيضا، فقلت له: قال اللهتعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ [الذاريات: ٢٢] فسكت عنّي إسحاق وانصرفت. فسرّ أبو عبد الله ويحيى ومن كان حاضرا. فلما رجع إلى داره عذله أهل بيته- وكانوا أربعين نفسا. فبعد قليل دقّ عليه الباب إنسان فدخل ومعه كيس فيه ألف درهم.

فقال: يا أبا عثمان ثبّتك الله كما ثبّت الدين! وهذا


(١) نعيم بن حمّاد (ت ٢٢٨): أعلام النبلاء ١٠/ ٥٩٥ (٢٠٩).
(٢) أبو نعيم (ت ٢١٩): أعلام النبلاء ١٠/ ١٤٢ (٢١).
(٣) تاريخ بغداد ١٢/ ٣٤٩.
(٤) عفّان بن مسلم (ت ٢٢٠): أعلام النبلاء ١٠/ ٢٤٢ (٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>