نفسه ممّا أوجبه عليهم والتزموه في أعناقهم منها، وقد برئ من الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، والله تعالى ورسوله منه بريئان، وبرئ إليه من حوله وقوّته، والتجأ إلى حول نفسه وقوّتها. وأشهد الله تعالى وملائكته وصالح خلقه على نفسه بذلك كلّه، أمانا مؤكّدا وذماما مؤبّدا، وعهدا مسئولا، وميثاقا محفوظا مرعيّا، وكفى بالله شهيدا. وكتب المنصور بيده.
[توجّهه إلى الخلافة العبّاسيّة]
فتوجّه أبو القاسم ابن المغربيّ من الرملة قبل وصول هذا الأمان إليه، وسار نحو العراق، وقصد فخر الملك أبا غالب الحسن بن منصور بن غالب السيرافيّ وزير مشرّف الدولة أبي علي الحسين ابن بهاء الدولة أبي نصر خسره فيروز بن عضد الدولة أبي شجاع فناخسره ابن ركن الدولة أبي علي الحسن بن بويه، والتجأ إليه. فبلغ أمير المؤمنين القادر بالله أبا (١) العبّاس أحمد بن إسحاق بن المقتدر خبر أبي القاسم ابن المغربيّ فاتّهمه في فساد الدولة العبّاسيّة. وتردّد بينه وبين فخر الملك في بابه ما أوجب خروجه معه إلى واسط. وكتب فخر الملك بحراسته هناك ومعرفة حقّه. فأقام مدّة على هذه الحال من أمره.
فلمّا مات فخر الملك في سنة ثنتي عشرة وأربعمائة، شرع في إصلاح أمير المؤمنين القادر بالله واستعطاف رأيه وإبراء ساحته عنده فيما ظنّ به وقدّر فيه. وعاد إلى بغداد وأقام بها أيّاما. ثمّ مضى إلى أبي المنيع قرواش بن المقلّد أمير العرب وسار معه إلى الموصل فأقام بها مديدة يسيرة وخافه المعروف بابن أبي الوزير وزير ومدبّر أمور
دولته. فحمل إليه مالا كثيرا وتقدّم إليه بالرحيل.
فسار عن الموصل إلى ديار بكر، فأقام عند أميرها نصير الدولة أبي نصر أحمد بن مروان الكرديّ مدّة على سبيل الضيافة. ثمّ خوطب في التصرّف ففعله بعد إباء شديد وامتناع كثير. وكان لبسته إذ ذاك المرقّعة والصوف، فلم تمض إلّا مدّة يسيرة حتّى غيّر ذلك اللباس، وانكشف حاله لجميع الناس وجرت حاله على ما [٤٦٠ أ] قال، وقد ابتاع غلاما تركيّا كان يهواه قبل أن يبيعه منه مولاه [الوافر]:
تبدّل من مرقّعة ونسك ... بأنواع الممسّك والصّنوف
وعن له غزال ليس يحوى ... هواه ولا رضاه بلبس صوف
فعاد أشدّ ما كان انهتاكا ... كذاك الدهر، مختلف الصروف [٣٩٢ ب]
فأقام عنده مدّة طويلة في أعلى حال وأجلّ رتبة وأعظم منزلة.
[[تهديده للحاكم بثورات أخرى]]
وكتب إلى الحاكم بأمر الله يهدّده ويتوعّده بأنّ رجلا من أولاد أبي بكر الصدّيق قد ظهر بديار بكر، وأنّه إن لم يكن يوافقه على ما رام فإنّه لا يخذله، ونصّه: وقد علم أنّ أصول الأمور العظام إنّما تأتي من وجدان الرجال. قال أبو علي محمد بن مقلة: إنّي أزلت دولة بني العبّاس وأسلمتها إلى الديلم لأنّي كاتبت الديلم وقت إنفاذي إلى أصبهان وأطمعتهم في سرير الملك ببغداد. فإن اجتنيت ثمرة ذلك في حياتي، وإلّا فهي تجنى بعد موتي- ويعلم الله لقد بلغنا أنّه حصل الآن فيما بين ديار بكر وبغداد رجل من ولد أبي بكر الصدّيق، وهو كما قيل [الرجز]:
(١) في المخطوط: أبو العبّاس.