للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

له استعطافا لئلّا يريه أنّه وجد من كلامه، فلم يعره طرفه ودخل، فانصرف اليازوري، ولقيه القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعيّ خليفة قاضي القضاة فقال له: يا أبا محمّد، قد كان يجب أن لا تريه وجهك عقيب ما جرى لك معه اليوم.

ثمّ انصرف عن القضاعيّ وأقبل على أبي عبد الله أحمد بن محمد بن أبي زكريا خليفة قاضي القضاة فخاطبه بأجفى من خطاب القضاعيّ له، فتركه وقد عظم همّه.

[ ... بتوسّط القائد رفق]

ووافى منزله فوجد [أن] قد حضر إليه من ضياعه ثلاثون حملا من التفّاح لتباع بمصر، فأنفذ منها خمسة أحمال إلى الوزير الفلاحيّ، وبعث لقاضي القضاة خمسة أحمال، وللقائد الأجلّ عدّة الدولة رفق خمسة أحمال، وفرّق حملين على حواشيهم. وكان ثمن هذه الأحمال يبلغ جملة (١) ثلاثمائة دينار. فلم يلتفت أحد منهم إليه ولا عطف عليه [ما خلا القائد الأجلّ عدّة الدولة رفق، فإنّه شكره وأثنى عليه] (٢).

[ ... ] ولا تقدّم منّا إليه من الجميل ما يوجب أن يكافئنا عليه، وهذا رجل حرّ له مروءة توجب أن نصطنعه ونحقّق حسن ظنّه بنا.

وركب اليازوريّ من الغد ووقف عند باب البحر، فلمّا أقبل رفق من داره يريد القصر، تلقّاه وسلّم عليه. فأكرمه ورحّب به وسأله عن حاله، ثمّ دخل إلى القصر وقضى حقّ الخدمة، وخرج فوجده واقفا على حاله. فسلّم عليه، وسار معه إلى داره حتّى وصل إليها، فانثنى اليازوريّ راجعا، وأقام على ذلك أيّاما.

فخفّ على قلب رفق، وقويت رغبته في اصطناعه. وصار إذا وصل إلى داره أمر اليازوريّ بالنزول معه، فينزل ويجلس معه ويحادثه، وكان حلو الحديث فكه المحاضرة. فأطال جلوسه معه.

وبقي رفق إذا غاب عنه يشتاق إليه، وإذا همّ بالقيام عنه أمسكه إلى أن تحضر المائدة، وأكثر منه حتّى عدّ من خواصّه.

ولمّا ضجرت أمّ المستنصر من عرض خدمتها على أبي نصر إبراهيم (٣) أخي أبي سعد سهل التستريّ، وامتناعه، حتّى وقفت أمور خدمتها وبقي بابها مغلوقا مدّة ثلاثة أشهر، قال رفق في بعض الأيّام لليازوري، وقد أفضى به الحديث إلى كثرة رغبة السيّدة أمّ الخليفة في أبي نصر وامتناعه:

إنّي أرى رأيا، فما عندك فيه؟

قال اليازوريّ: ما هو؟

قال: تكتب رقعة تلتمس خدمة السيّدة وتعرض نفسك عليها.

فقال له اليازوريّ: كنت أظنّ جميل رأيك فيّ وإيثارك مصلحة حالي، فأكذبني ظنّي.

فقال: بماذا؟

قال: لهزئك بي، فإنّي قد اجتهدت في العود إلى قرية كنت فيها فبخل عليّ بها. فكيف إذا تعرّضت لهذا الأمر الكبير ومناوأة الوزراء؟

فقال له: أما ترضى بي سفيرا لك في هذا الأمر وعلى استفراغ الوسع لوجوب حقّك عليّ؟ فإن قضت الأقدار ببلوغ الغرض في ذلك، فقد أدركنا ما نؤثره، وإن تكن الأخرى، فعلى أكثر من العطلة ما نحصل (٤).


(١) قراءة تخمينيّة.
(٢) زيادة من الاتّعاظ ٢/ ١٩٩، وهي لا تسدّ الثغرة.
(٣) أبو نصر التستريّ (ت ٤٤٠): مرّت ترجمته برقم ٢٩٧.
(٤) في الاتّعاظ ٢/ ١٩٩: فقد أكثر من العطلة ما تحصّل.-

<<  <  ج: ص:  >  >>