للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فوقفت انظر يمنة ويسرة فلم أر أحدا. قلت:

لعن الله إبليس! - وحرّكت فرسي، فسمعت نداء أجهر من الأولى: يا إبراهيم، ليس لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت.

فوقفت مستمعا انظر يمنة ويسرة فلم أر أحدا، فقلت: لعن الله إبليس! - ثم حرّكت فرسي.

فسمعت من قربوس سرجي: يا إبراهيم بن أدهم، والله ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت.

فوقفت وقلت: هيهات هيهات (١)! جاءني النذير من ربّ العالمين، والله لا عصيت ربّي بعد يومي هذا ما عصمني ربّي! .

فتوجّهت إلى أهلي فخلّيت فرسي. فجئت إلى بعض رعاة أبي فأخذت منه جبّته وكساءه، وألقيت ثيابي إليه، فلم أزل أرض تضعني وأرض ترفعني حتّى صرت إلى بلاد العراق، فعملت بها أياما، فلم يصف لي شيء من الحلال. فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال: إن أردت الحلال فعليك ببلاد الشام.

[[اشتغاله بحراسة البساتين بالشام]]

فصرت إلى مدينة يقال لها المنصورة- وهي المصيصة- فعملت بها أيّاما، فلم يصف لي شيء من الحلال. فسألت بعض المشايخ عن الحلال فقال: إن أردت الحلال، فعليك بطرسوس، فإنّ بها المباحات والعمل الكثير.

فبينا أنا كذلك قاعد على باب البحر [إذ] جاءني رجل فاكتراني أنطر له بستان [ا]. فتوجّهت معه فمكثت في البستان أيّاما كثيرة. فإذا أنا بخادم قد أقبل، ومعه أصحاب له- ولو علمت أنّ البستان لخادم، ما نطرته- فقعد في مجلسه هو وأصحابه فقال: «يا ناطور! يا ناطور! » فأجبته، فقال:

اذهب فائتنا بخير رمّان تقدر عليه وأطيبه.

فأتيته. فأخذ الخادم رمّانة فكسرها فوجدها حامضة فقال: يا ناطور، رأيت منذ كذا وكذا تأكل من فاكهتنا ورمّاننا، ما تعرف الحلو من الحامض؟

قلت: والله ما أكلت من فاكهتكم شيئا [١٠ ب] ولا أعرف الحلو من الحامض.

فغمز الخادم أصحابه وقال: «أما تعجبون من كلام هذا؟ » وقال لي: تراك لو كنت إبراهيم بن أدهم، [ما] زدت على هذا! .

فلمّا كان الغد، حدّث الناس في المسجد بالصفة وما كان. فجاء الناس عنقا (٢) إلى البستان.

فلمّا رأيت كثرة الناس، اختفيت، فالناس داخلون، وأنا هارب منهم.

فهذا ما كان من أوائل أمري.

[إسراؤه إلى الحجّ]:

وقال عبد الله بن نوح: حدّثني إبراهيم بن أدهم بابتدائه كيف كان، قال: كنت يوما في مجلس لي له منظرة إلى الطريق، فإذا أنا بشيخ عليه أطمار، وكان يوم [ا] حارّ [ا]. فجلس في فيء القصر ليستريح. فقلت للخادم: اخرج إلى هذا الشيخ فاقرأه منّي السلام، وسله أن يدخل إلينا، فقد أخذ بمجامع قلبي.

فخرج إليه، فقام معه، فدخل إليّ وسلّم.

فرددت عليه السلام واستبشرت بدخوله، وأجلسته بجانبي، وعرضت عليه الطعام، فأبى أن يأكل.

فقلت له: من أين أقبلت؟

قال: من وراء النهر.

قلت: أين تريد؟

قال: الحجّ إن شاء الله- وكان ذلك أوّل من


(١) في الحلية ٧/ ٣٨٨: ابهت أنبهت!
(٢) العنق: الجماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>