شيء كثير إلى الغاية من دور وقماش وأموال وضياع.
[بداية جدّه]
وكان بدء أمره أنّه كان في دهليز حرم خمارويه [بن أحمد] بن طولون، وكان يتوكّل له ولهم في ابتياع الجوهر وغيره، ممّا يحتاجون إليه، فلم يكنيفارق الدهليز لاختصاصه بهم.
فخرجت إليه قهرمانة في بعض الأيّام بعقد جوهر فيه مائتا حبّة، لم ير قبله أفخر ولا أحسن منه، تساوي كلّ حبّة منه ألف دينار. وقالت: نحتاج أن تخرط هذه [حتّى] تصغر فتجعل لأربع لعب.
فأخذها وقال: السمع والطاعة! - وخرج في الحال وهو مسرور، فجمع التجّار، ولم يزل يشتري ما قدر عليه إلى أن حصل مائة حبّة أشكالا في النوع الذي قدر عليه. وجاء بها عشيّا وقال: إنّ خرط هذا يحتاج إلى زمان وانتظار. وقد خرطنا اليوم ما قدرنا عليه، وهو هذا- ودفع إليها المجتمع- وقال: الباقي يخرط في أيّام.
فقنعت بذلك ورضيته. فما زال في طلب الباقي حتّى اجتمع فحمله إليهم حتى كملت المائتا حبّة وقد قامت عليه بدون مائة ألف درهم، وحصل له جوهر بمائتي ألف دينار. فلزم دهليزهم وأخذ غرفة فيه فسكنها. (قال: ) وكان لحقني من هذا أكثر من أن يحصى حتّى كثرت النعمة وانتهيت إلى ما استفاض خبره.
وقد نسبه جماعة إلى الحمق والنوكة والغفلة، وحكوا عنه في ذلك حكايات كثيرة. وذهب آخرون إلى أنّه إنّما كان يتظاهر بذلك ليرى الوزراء هذا [التغفيل] منه فيأمنوه [على أنفسهم] إذا خلا بالخلفاء.
[[توليه الوكالة والسفارة لخمارويه]]
ولمّا ولي أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون أخرجه من الاعتقال، وما يملك درهما واحدا. فجعله وكيلا له يتولّى جميع ما يشترى في داره من حاجة بدرهم فما فوقه. ثمّ بعثه إلى العراق بهديّة إلى أمير المؤمنين المعتضد بالله أبي العبّاس أحمد ابن الموفّق. فخلع عليه المعتضد لمّا قدم عليه بالهديّة، في شوّال سنة تسع وسبعين ومائتين، وعلى سبعة معه. وعاد إلى الفسطاط بأجوبة الكتب وتجديد العهد لأبي الجيش. وقدّم إلى أبي الجيش عقدا أوهمه أنّه ولّاه (١) إيّاه برأس ماله فباعه منه بثمانين ألف دينار، وكان شراؤه عليه خمسة وعشرين ألف دينار. واتّسع حاله وكثرت أمواله حتى قال أبو بكر محمد بن علي الماذرائيّ: عرضت لي حاجة إلى ابن الجصّاص، فسألت عنه، فقيل: هو في البستان. فأتيت بستانه فاستؤذن لي عليه فدخلت. وجلسنا نتحادث، إذ قيل: رسول الأمير بالباب. فقال: يدخل. فدخل خادم ومعه رقعة فيها: احتجنا يا أبا عبد الله أعزّك الله، إلى ألف دينار سنديّ للطلي، فتوجّه بذلك إلينا إن شاء الله.
فقال: يا جارية، بدرة سندي!
فجاءت ببدرة. فقال لها: ليس هذه، هاتي غيرها!
فجاءت بأخرى فردّها أيضا حتى جاءت في الكرّة الرابعة ببدرة، فقال: افتحيها وزني منها ألف دينار!
ففتحت البدرة ووزنت ألف مثقال وشدّتها في صرّة، وختمها ودفعها للخادم. وشدّت البدرة وختمت وردّت.
(١) هكذا في المخطوط ولعلّها تعني: جعله تلوه أي أعطاه إيّاه.