للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فشقّ ذلك على الصبيّ، فغضب أحمد لغضبه وضرب الخادم ضربا مبرّحا حتى أشفى على الموت. فقامت قيامة السلطان وبعث إليه الطنبغا الماردينيّ يأمره بإخراج الصبيّ من عنده، فلم يفعل. فبعث إليه قوصون وبشتاك، فأخبراه عن السلطان أنّه حلف: إنّك إن لم تخرج هذا الصبيّ من عندك وإلّا نفاك من مصر، وغير ذلك من التهديد. وتلطّفا به، وهو لا يصغي لعذلهما. فلمّا أكثرا عليه، قال: لا إله إلّا الله، كلّ أحد منكم يملك مائة مليح ومليحة، وأنا ولده، وقد خرجت من الدنيا بمحبّة هذا الشابّ، وقد تغرّب معي، وترك أباه وأهله، ما جزاؤه أن أطرده، والله لا فعلت هذا أبدا! وإن كان طرد، فأكون أنا وإيّاه حيث يرسم السلطان، أو يخرجه السلطان، وأنا أقتل نفسي بعده. فقاما عنه وعادا إلى السلطان وترفّقا به (١) لعلّه يتركه عنده، فتزايد غضبه وطلب ملكتمر السرجواني، زوج أمّ أحمد، و [ ... ] الداودي لالته، وأخرج أحمد معهما من وقته وساعته على البريد ليوصلاه إلى قلعة صرخد ويعودا. فارتجّت الدور بالبكاء والعويل. وأخرج السلطان خيل أحمد ونادى عليها وباعها. فما زال نساء السلطان به حتّى أعاده بعد ما تجاوز سرياقوس. ثمّ أخرجه مع السرجوانيّ إلى الكرك بعد قليل. فسار إليها في صفر سنة إحدى وأربعين.

[تمرّده على قوصون بعد وفاة أبيه]:

فمات الناصر. ثمّ خلع من بعده ابنه أبو بكر، وأقيم كجك. فورد كتاب السرجوانيّ على الأمير قوصون، وهو يومئذ صاحب تدبير الدولة، يكثر فيه من شكوى أحمد وانهماكه في اللهو. وسأل أن

يعفى من نيابة الكرك. فكتب يطلب أحمد حتى ينفى كما نفي إخوته إلى قوص، وسار طوغاي الطبّاخيّ لإحضاره، فلم يجب. فكتب إليه [٤٧ أ] يغالطه ويعتذر بأنّه ما طلبه إلّا من شكوى السرجوانيّ منه، وبعث إليه هديّة. فكثرت قالة الكركيّين، وتجمّعوا خوفا على أحمد وعصبيّة له.

فخرج السرجوانيّ وطوغاي من الكرك.

وكتب أحمد لألطنبغا نائب الشام يشكو [١٣٥ أ] من قوصون. فبعث بكتابه إلى قوصون، فجرّد له الأمير قطلوبغا الفخريّ ومعه أربعة وعشرون أميرا. فاستعدّ أهل الكرك وجمعوا غلالهم ومواشيهم وحصّنوا بلدهم هذا، وقد تعصّب مماليك أحمد على الشهيب محبوبه وقتلوه لإهانته إيّاهم، وادّعوا أنّه كان يكاتب قوصون، فكاد يختلّ عقله أسفا عليه، ولم يجد بدّا من الإغضاء.

وكتب إلى الأمير طشتمر نائب حلب يترامى عليه ويشكو من قوصون. فما زال طشتمر بقطلوبغا حتى مال إليه، وحلف له، وخاطبه بالسلطنة، ولقّبه بالملك الناصر، واستمال له أيضا الأمير طقزدمر نائب حماة. ثمّ توجّه إلى دمشق ومعه أقسنقر نائب غزّة، وصلم نائب صفد، فملكها له، وخطب له على منابرها. واستخدم العساكر، وجهّز شعار السلطنة. وقام أيضا الأمير آي دغمش وعامّة أمراء مصر على قوصون، وأخرجوه مقيّدا إلى الإسكندريّة، وبعثوا إلى الناصر أحمد يخبرو [ن] هـ بذلك، ويستحثّو [ن] هـ في سرعة القدوم. فقدم عليه بذلك الأمير جنكلي (٢) بن البابا، والأمير بيبرس الأحمديّ، والأمير قماري أمير شكار، وبعثوا إليه مع مماليكهم. فلم يمكّنهم من الاجتماع به. وبعث إلى الأمراء رجلا من نصارى الكرك فقال لهم: السلطان يقول لكم: إن


(١) عاد الحديث عن السلطان الملك الناصر، وفي المخطوط:
فقاموا عنه.
(٢) جنكل في المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>