للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بيته ونسائهم. فأسلفهم أبو خالد ذكوان عشرة آلاف درهم فتجهّزوا بها.

وقد كان ابن زياد لمّا قتل الحسين بعث زحر بن قيس الجعفيّ إلى يزيد يخبره بذلك. فقدم عليه، فقال: ما وراءك؟

[[حسن معاملة يزيد بن معاوية لأهل الحسين]]

قال: يا أمير المؤمنين ابشر بفتح الله ونصره:

ورد علينا الحسين بن عليّ في ثمانية عشر من أهل بيته، وفي سبعين من شيعته، فسرنا إليهم فخيّرناهم الاستسلام والنزول على حكم عبيد الله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال على الاستسلام. فناهضناهم عند شروق الشمس وأطفنا بهم من كلّ ناحية. ثمّ جرّدنا عليهم السيوف اليمانيّة، فجعلوا يبرقطون (١) إلى غير وزر، ويلوذون منّا بالآكام والحفر، لواذا كما لاذ [ت] الحمائم من صقر، فنصرنا الله عليهم. فو الله يا أمير المؤمنين ما كان إلّا جزر جزور أو نومة قائل حتى كفى الله المؤمنين مؤونتهم، فأتينا على آخرهم. فهاتيك أجسادهم مطرّحة مجرّدة، وخدودهم معفّرة، ومناخرهم مرمّلة تسفي عليهم الريح ذيولها بقيّ (٢) سبسب تنتابهم عرج الضبّاع، زوّارهم العقبان والرّخم.

فدمعت عينا يزيد وقال: قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين.

ثمّ قال: كذلك عاقبة البغي والعقوق- وتمثّل [السريع]:

من يذق الحرب يجد طعمها ... مرّا وتتركه بجعجاع

وقيل: قال يزيد وقدم برأس الحسين محفّز [٤٠٣ ب] العائذيّ- عائذة قريش- على يزيد فقال:

أتيتك يا أمير المؤمنين برأس أحمق الناس وألأمهم.

فقال يزيد: ما ولدت أمّ محفّز (٣) ألأم وأحمق لكنّ الرجل لم يقرأ كتاب الله تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ [آل عمران: ٢٦].

ثمّ قرع بالخيزرانة بين شفتي الحسين وأنشد بيت الحصين بن الحمام المريّ: يفلّقن هاما ...

إلى آخره.

فقال له رجل من الأنصار: ارفع قضيبك، فإنّي رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقبّل الموضع الذي وضعته عليه.

ثمّ أتى يزيد بثقل الحسين ومن بقي من أهله ونسائه، فأدخلوا عليه وقد قرنوا بالحبال فوقفوا بين يديه. فقال له عليّ بن الحسين: أنشدك الله يا يزيد، ما ظنّك برسول الله [٥٠١ ب] لو رآنا مقرّنين في الحبال، أما كان يرقّ لنا؟

فأمر يزيد بالحبال فقطعت- وعرف الانكسار فيه. وقالت له سكينة بنت الحسين: يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا؟

قال: يا ابنة أخي، هو والله عليّ أشدّ منه عليك- ثمّ قال: أقسمت بالله، لو أنّ بين ابن زياد وبين


(١) يبرقطون: يهربون في غير نظام.
(٢) القيّ بالكسر: الاسم من قويت الدار: خلت، وهو المكان البلقع. وهذا الوصف المتشفّي نقله الطبريّ، ٥/ ٤٦٠.
(٣) تعريف في الهامش بمحفّز: هو محفّز بن ثعلبة بن مرّة بن خالد بن عامر بن قنان بن عمرو بن قيس بن الحارث بن مالك بن عبيد بن خزيمة بن لؤي بن غالب بن فهر. وقيل له «العائذي» من أجل أنّ الحارث بن مالك بن عبيد أمّه عائذة بنت الخمس بن قحافة بن خثعم، وبها يعرفون.

<<  <  ج: ص:  >  >>