هذا فردّه إليّ وقال: ما له صوت، فحلفت بالطلاق أنّه لا يسكت.
فقال: أو سكت؟
قال: نعم.
قال: أنت حانث.
(قال الشافعيّ): فتبعته فقلت له: يا رجل، كيف حلفت؟
قال: حلفت بما سمعت.
فقلت: صياحه أكثر أم سكوته؟
قال: صياحه.
فقلت: مرّ، فإنّ امرأتك لك حلال.
قال: فما أصنع، وقد أفتاني مالك بما أفتى؟
[فقلت: ] عد إليه فقل له: إنّ في مجلسك من أفتاني بأنّ امرأتي لي حلال، وأومئ إليّ ودعني وإيّاه.
ورجع ورجعت وجلست فيما بين الناس. فقال له: إن رأيت أن تنظر في يميني؟
قال: أليس قد أفتيناك بأنّك حانث؟
فقال: في مجلسك من أفتاني بأنّ امرأتي هي لي حلال.
قال: في مجلسي؟
قال: نعم.
قال: ومن هو؟
فأومأ إليّ، فقال لي مالك: أنت أفتيته بذلك؟
قلت: نعم.
قال: ولماذا أفتيته بذلك؟
فقلت له: سمعتك تروي عن نافع عن ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة بنت قيس: «إذا [١٤٨ أ] حللت فآذنيني»، فلمّا حلّت قالت له:
«وقد خطبني معاوية وأبو جهم». فقال: «أمّا معاوية فصعلوك لا مال له. وأمّا أبو جهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه». وعلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ أبا جهم يضع عصاه عن عاتقه ويتصرّف في أموره.
وإنّما نسب إلى ضرب النساء فذكر أنّه لا يضع عصاه عن عاتقه، وحمله على الأغلب من أمره.
وإنّي سألته فقلت: «سكوته أكثر أم صياحه؟ » فقال: «صياحه»، فأفتيته بذلك.
(قال): فتبسّم مالك وقال: القول قولك.
ثمّ نظرني عبد الملك- يعني ابن جريج- فضرب بيده بين منكبيّ وقال: أفت، فقد آن لك أن تفتي!
كذا وقع في هذه الرواية قول الشافعيّ لمالك:
سمعتك تروي عن نافع عن ابن عمر [ ... ] فذكره. وهذا الحديث إنّما رواه مالك في الموطّإ عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن فاطمة، وكذا هو في مسلم.
[[درايته بمشتبه الحديث]]
وعن يونس: سمعت سفيان بن عيينة يقول للشافعيّ: يا أبا عبد الله، ما معنى قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أقرّوا الطير في مكناتها»؟ (١).
فقال: يا أبا محمّد، كان الرجل من العرب إذا أراد سفرا أخذ معه طيرا، فإن أخذ الطبر ذات اليمين، مضى في سفره. وإن أخذ ذات الشمال رجع.
وكان ابن عيينة قبل أن يسمع هذا من الشافعيّ، إذا سئل أجاب عن صيد الليل. فرجع سفيان إلى تأويل الشافعيّ.
(١) المكنة: البيضة.