جاءهم قتل مروان [ف] طلبوا الصلح. فأمّن أبو جعفر معن بن زائدة ثم ابن هبيرة، واشترط عليه أنّه إن نكث أو غدر فلا أمان له. وكان مقيما بواسطيغدو ويروح إلى أبي جعفر في جماعة كثيرة ويتغدّى عنده ويتعشّى إذا حضر في وقت غدائه وعشائه، وهو في ذلك يدسّ إلى محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ويهمّ بالدعاء لآل أبي طالب وخلع أبي العبّاس. فتيقّن أبو العبّاس ذلك من أمره، وكتب إليه أبو مسلم يشير بقتله ويقول: إنّ الطريق إذا كثرت حجارته فسد وصعب سلوكه.
فكتب أبو العبّاس إلى أخيه أبي جعفر يأمره بقتل ابن هبيرة، فأبى ذلك وكره لما أعطاه من الأمان. فكتب إليه: إنّ هذا الرجل قد غدر ونكث، وهو يريد بنا العظمى، وما لكتاب عبد الرحمن (١) فيه أقتله، ولكن لما بان من نكثه وفجوره، فلا تراجعني في أمره، فقد أحلّ لنا دمه.
فأمر أبو جعفر الحسن بن قحطبة فأبى. فقال خازم بن خزيمة: «أنا أقتله». وساعده على ذلك الأغلب بن سالم التميميّ، والهيثم بن شعبة وغيرهما. فقتلوه وقتلوا ابنه وحوثرة [٧٦ ب] بن سهيل ومن كان معه في القصر، وهم خمسون، وأتوا برءوسهم أبا جعفر. وكان معن بن زائدة وفد إلى أبي العبّاس ببيعة ابن هبيرة وأقام بالكوفة فسلم.
واستخلف أبو جعفر بواسط الهيثم بن زياد الخزاعي وانصرف هو والحسن بن قحطبة ومن معهما إلى أبي العبّاس.
[تحوّل السفّاح من الكوفة إلى الأنبار]
وكتب أبو مسلم إلى أبي العبّاس: إنّ أهل
الكوفة شاركوا شيعة أمير المؤمنين في الاسم وخالفوهم بالفعل، ورأيهم في آل عليّ الرأي الذي يعلمه أمير المؤمنين. وإنّما يؤتى فسادهم من قبلهم بإغوائهم إيّاهم وإطماعهم فيما ليس لهم.
فالحظهم يا أمير المؤمنين بلحظة بوار ولا تؤهّلهم لجوارك. فليست دارهم لك بدار.
وأشار عليه أيضا عبد الله بن علي بنحو ذلك.
فابتنى مدينة بالأنبار وتحوّل إليها.
وأخذ يوما بيد عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ [بن أبي طالب] فجعل يطوف به فيها. وكان له مكرما، فجعل عبد الله يتمثّل [الوافر]:
ألم تر حوشبا أمسى يبنّي ... منازل نفعها لبني بقيلة
يؤمّل أن يعمّر عمر نوح ... وأمر الله يأتي كلّ ليلة
فتطيّر أبو العبّاس وقال: أفّ! لقلّما يملك الحسود نفسه ولسانه.
فقال عبد الله: أقلني!
فقال: لا أقالني الله إذن. اخرج عنّي!
فخرج إلى المدينة.
ويقال إنّه أنشده هذا الشعر وقد طوّفه بالهاشميّة حين استتمّ بناءها.
واستعمل أبو العبّاس أخاه أبا جعفر على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان في ذي القعة سنة اثنتين وثلاثين.
وولّى يحيى بن محمد بن عليّ الموصل.
وخرج بالجزيرة بريكة بن حميد الشيبانيّ في قوم من الخوارج فحوربوا وقتلوا.
[قتل أبي سلمة الخلّال]
وأراد أبو العبّاس قتل أبي سلمة الخلّال لميله
(١) عبد الرحمن: هو أبو مسلم.