للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأنفذهم إلى المنصوريّة. فلمّا نزل تبسّة خلع فيها على جميع الأولياء خلعا نفيسة، وتلقّاه كثير من أهل المهديّة بها.

[[رجوع المنصور إلى القيروان ظافرا]]

ثمّ سار والناس يتلقّونه شيئا بعد شيء ركبانا ومشاة حتى أشرف على المنصوريّة، فخرج إليه أهلها بأجمعهم يكبّرون الله ويهلّلون ويدعون له، فسجد على فرسه شكرا لله تعالى، ونزل قصره بالمنصوريّة، وقد بناه له مدام الصقلبيّ في غيبته.

وكان وصوله صلاة العصر يوم الخميس لليلة بقيت من جمادى الآخرة فبات بها. وأخرج من الغد أبا يزيد وطوّف به على جمل وعليه طرطور وقردان على كتفيه مدّة ثلاثة أيام. ثمّ حمل إلى المهديّة فطيف به هنالك، ثمّ جعل على خشبة طويلة فوق سور المهديّة، فأقام حتّى مزّقته الرياح.

وقالت الشعراء في ذلك فأكثرت. فمن قول محمّد بن سعيد (١) الأبروطي من قصيدة [الطويل]:

يقلّدها من هاشم خير هاشم ... وأشرفها بنيان مجد وأرفعا

[١٩٦ ب] تحمّل منها ما لو انّ أقلّه ... على كاهل الدهر انكفا وتضعضعا

أطلّ على الدنيا فلم يبق جانب ... من الأرض إلّا اخضرّ نبتا وأمرعا

رمى الخائن الدجّال إذ حمّ حينه ... فما رام حتّى عاد شلوا موزّعا

٥ سل الغرب كم أبقى به من وقائع

حقيق لها بالشرق أن تتوقّعا ... ولم أر كالمنصور بالله ناصرا

لدين، ولا أحمى لملك وأمنعا ... [هو الملك المخصوص بالنّصر ملكه

وحافظ ما قد كان ضاع وضيّعا] (٢) ... ألم تر يوم القيروان وقوفه

وقد كادت الأكباد أن تتصدّعا؟ ... فأبرز وجها للحفيظة أبيضا

يقابل وجها للكريهة أسفعا (٣) ... ١٠ إذا استقبل الأبصار، وهي طوامح

ثناها، ولم تستكمل اللحظ، خشّعا ... إمام الهدى، أقبلت، والدهر مقبل

وقد عاد عود الدهر رطبا فأينعا ... وما أحد يسعى ليدرك غاية

من الفخر إلّا كنت بالفخر أشفعا

وقال آخر من قصيدة [الكامل]:

انظر إلى الأيّام كيف ترى لها ... وجها تألّق نوره وتهلّلا

كشف الغطا لمنصّر عن حجّة ... نطقت دلائلها فكانت فيصلا

الله جرّد للإمامة فضلها ... مذ قلّد الأمر الإمام الأفضلا

قصد التي ليست ترام، بنفسه ... فأقام بالتدبير منها الأميلا

٥ سل كيف كان، وقد رأيت ثباته ... إذ كادت الألباب أن تتزيّلا

وسعى الضلال فساق كلّ قبيلة ... وأتى اللعين يقود جيشا جحفلا


(١) سبق أن سمّاه محمّد بن الحرث. وسيسمّيه من جديد محمّد بن الحرث، وجاء في معجم البلدان (باجة) اسم محمّد بن سعيد الأبروطي، وهو رجل من أهل اللغة والتدريس، وهو غير هذا الشاعر حسب ما يبدو.
(٢) هذا البيت غير موجود في المخطوط، ونقلناه عن عيون الأخبار، ٣٦٤.
(٣) مرّت بنا رواية مغايرة، وستكرّر: وأبرز عن وجه من الصّبر أبيض ... ، والحفيظة الحميّة والغضب والغيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>