للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كيانة ليراه أصحابه وأحضر الجزّارين وأمرهم بسلخه فسلخ بصورة جميع أعضائه ووجهه ورأسه وأخرجوا أحشاءه وعولج بما يحفظ لحوم الموتى، وحشي جلده بالتبن حتّى ظهرت صورته كأنّها ناطقة. وجعل ذلك في صندوقين طويلين، وأهل القلعة مشرفون عليه ينظرون [١٩٦ أ] ما قد عمل به، فهالهم ذلك وملأ نفوسهم رعبا.

ولمّا فرغ من فعله بأبي يزيد، وحضرت صلاة الظهر، تقدّم المؤذّنون، فأذّنوا. ثمّ قالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. صلاة الظهر رحمك الله!

فسرّ الناس بذلك وفرحوا وتباشروا. وجلس للناس بعد صلاة الظهر فدخلوا عليه وسلّموا عليه بالخلافة وهنّئوه بها. فبسط آمالهم ووعدهم بالفضل والإحسان والعدل. وأمر بإنشاء الكتب إلى الآفاق بأنّه أمير المؤمنين. وإنّما ستر ذلك وكتمه من أجل الحرب ودوام الفتنة ولئلّا يسرّ عدوّ الله بموت أبيه القائم بأمر الله. وتقدّم بإثبات اسمه بالسّكّة ودار الضرب (١).

ووافى في هذا اليوم معبد بن خرز النكّاري بجموعه حتّى نزل تحت قلعة شاكر فملكها. ثمّ زحف من الغد إلى الخندق فنزل عليه ولحق به من بقي بقلعة كيانة من أصحاب أبي يزيد. فندب المنصور لقتاله واقتتلوا قتالا شديدا [و] قتل من الفريقين خلق كثير. ثمّ انهزم معبد إلى كيانة فامتنع بها وقاتل منها. وكان زيري بن مناد وقيصر وشفيع بالمسيلة فأمر بإحضارهم مخفّين بغير أثقال.

ورحل يوم السبت غرّة صفر، فأخذ معبد

يضرب ساقة العسكر، فبعث المنصور بشرى الصقلبيّ بعرامته (٢) إلى زيري وقيصر لمحاربة معبد فحاربوه وقتلوا منه عددا كبيرا حتّى انهزم.

ووصل المنصور إلى المسيلة فأقام بها سبعة عشر يوما. فأتته عساكر كتامة مع خفيف ومسرور الصقلبييّن. وأتاه قوم من بني كملان فعفا عنهم وخلع عليهم.

ورحل ليلة الثلاثاء لاثنتي عشرة بقيت من صفر، وأمر زيري بحشد صنهاجة.

ثمّ نزل تاهرت يوم الاثنين غرّة ربيع الأوّل، فطيف بأبي يزيد فيها.

ونزلت بالمنصور علّة شديدة مدّة عشرين يوما حتّى يئس منه ثمّ برئ. وقلّد مسرورا الخادم عمل تاهرت.

ورحل عنها لتسع خلون من ربيع الآخر، فمرّ بقبائل لواتة ومضى يريد إفريقيّة. وخلع على زيري بن مناد أربع خلع كاملة فيها ثوب مثقل بدارات (٣) قيمته أكثر من ألف دينار، وخلع على أولاده وأصحابه، وحمله على فرس من مراكبه بسرج ثقيل وقلّده سيفا وأعطاه ثلاثة أحمال مالا وأعاده إلى موضعه.

ونزل مدينة سطيف من بلد كتامة فأقام بها شهرا، وفرض على كتامة أربعة عشر ألف بيت يوافونه بها [ب] المنصوريّة للسكنى بها. ثمّ رحل منها فوافته في مسيره حشود كتامة وعيالاتهم،


(١) الإعلان عن وفاة القائم كان بعد عام وثلاثة أشهر (انظر ترجمة القائم ٦/ ١٦٩ رقم ٢٦٤١). هذا وقد أعلن المنصور عن ارتقائه الخلافة في خطبة عيد الأضحى كما سبق في ص ١٤٨.
(٢) عرامة الجيش وعرامه: كثرته وقوّته وشدّته، قال الشاعر [الطويل]:
ألم تعلموا أنّي تخاف عرامتي ... وأنّ قناتي لا تلين على الكسر؟
(اللسان: عرم).
(٣) هكذا في الأصل، ولم نفهم المقصود منها، ولعلّها:
درّات.

<<  <  ج: ص:  >  >>