للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الحرمازيّ (١): استشار المنصور إسحاق ابن مسلم العقيليّ أو سلم بن قتيبة في أمر أبي مسلم فقال: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢].

وقال سلّام الأبرش (٢): أرق المنصور ذات ليلة فقال للربيع: من في الدار من الصحابة فأدخله، إلا أن يكون عبد الله بن عيّاش فإنّه سائل ملحف!

فنظر فلم يجد في الدار غيره، فقال: «أدخله! » وتقدّم إليه في ترك مسألت [هـ] شيئا. فضمن له أن لا يسأل ليلته شيئا. فلمّا دخل أقبل يحدّث بأمر السواد وفتوحه، وما كان يرتفع من جبايته. ثم قال: فطول السواد يا أمير المؤمنين كذا، وعرضه كذا، والله ما لعبدك منه شبر في شبر!

فضحك المنصور وقال: قد أقطعتك غلّة ثلاثين ألف درهم من حيث تختار من السواد.

وقال الربيع: جلس المنصور يوما بالنجف بالكوفة يشرف على الخورنق وظهر الكوفة، فقال: يا ربيع، ابغني رجلا يحدّثني!

فقلت: يا أمير المؤمنين، بالباب عبد الله بن الربيع بن الحارث وأنت تحبّ حديثه.

فقال: نعم، لولا كثرة سؤاله الحوائج.

فقلت: أنا أقطع عنك حوائجه في هذا اليوم.

فخرجت إليه فاشتريت منه مسألته الحوائج بمائتي دينار. فلمّا دخل ورأى طيب نفس المنصور جعل يعرّض بالسخاء وينشد شعر حاتم الطائيّ.

فقال: يا ربيع، لا تف له فإنّه لم يف لك! كفى بالتعريض مسألة!

وقال: أنشدني قول كثيّر: «إذا المال لم يوجب عليك ... » فأنشده [الطويل]:

إذا المال لم يوجب عليك عطاءه ... صنيعة تقوى أو صديق تحالفه [٩٦ ب]

منعت وبعض المنع حزم وقوّة ... ولم يفتلذك المال إلّا حقائقه (١*)

فكان عبد الله بن الربيع يقول: خرجت من عند المنصور وأنا أحبّ الناس إليه.

وقال المدائني: دخل المنصور المدينة، فقال للربيع: «ابغني رجلا يسايرني ويحدّثني». فأتاه رجل ظريف كان منقطعا إليه. فقال له المنصور:

من أنت؟ وأين منزلك؟

فقال: ما لي منزل، وإنّي لمغمور النسب لا تبلغني معرفتك.

وحدّثه فاستظرفه وأمر له بخمسة آلاف درهم. فلمّا انصرف قال للربيع: تنجز لي صلتي بأبي أنت وأمّي!

فقال له الربيع: هيهات! احتل لنفسك!

فلمّا ركب المنصور من الغد دعا به فحدّثه ثم أنشده قصيدة الأحوص [الكامل]:

يا بيت عاتكة التي أتغزّل ... حذر العدى، وبه الفؤاد موكّل

حتى انتهى إلى قوله:

وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق الحديث يقول ما لا يفعل

قال المنصور: وأبيك لقد اقتضيت فأحسنت ولطفت. يا ربيع، يعطى جائزته!

[حجّاب المنصور]

وكان عيسى بن روضة- وهي أمّه، وأبوه نجح- عبدا لآل طلحة، فرآه المنصور بالكوفة في حلقة المسجد قبل خلافة السفّاح فقال: لئن ملكنا لنشترينّه، فإنّي لم أر ألسن ولا أظرف منه مع عقل كامل.


(١) الحرمازيّ الراوية. الحسن بن عليّ: الوافي ١٢/ ١٤٢.
(٢) سلام الأبرش خدم المنصور ثمّ الرشيد.
(١*) ديوان كثيّر، ٣٠٩ وفيه: صنيعة قربى. وافتلذك: أخذ منك فلذة (حاشية المرحوم إحسان عبّاس).

<<  <  ج: ص:  >  >>