للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ضربوه بأسيافهم فلم يمت فذبح ذبحا وجرّ برجله فألقي في دجلة. وكان يومئذ ابن ثمان وثلاثين سنة.

وقيل: حمل أبو حنيفة جيفته في صندوق حتى توسّط به دجلة ثم ألقاه.

وسار أبو جعفر بعد ذلك بثلاث إلى الحيرة.

وتمثّل بعد قتل أبي مسلم ببيت الشمّاخ [الطويل]:

وما إن شفى نفسا كأمر صريمة ... إذا حاجة في النفس طال اعتراضها

وقال بشّار بن برد [الطويل]:

أبا مسلم ما طيب عيش بدائم ... وما سالم عمّا قليل بسالم

كأنّك لم تسمع بقتل متوّج ... عزيز، ولم تعلم بفتك الأعاجم

لحا الله قوما شرّفوك عليهم ... فقد كنت مشروفا خبيث المطاعم

وكان المنصور يقول: أخطأت ثلاث مرّات وقاني الله شرّها: قتلت أبا مسلم، وحولي من يقدّم طاعته على طاعتي. فلو وثبوا وأنا في خرق لذهبت ضياعا. وخرجت يوم الر [ا] ونديّة. ولو أصابني سهم غرب لذهبت ضياعا. وخرجت إلى الشام، ولو اختلف بالعراق سفيان، ذهبت الخلافة ضياعا.

وأمر المنصور حين قتل أبا مسلم بوضع الإعطاء في الناس فجعلوا يأخذون ويبايعون ويلعنون أبا مسلم. وقال أبو دلامة أيضا [الطويل]:

أبو مسلم عبد لعيسى بن معقل ... أخي دلف لا قول من يتكذّب

حمدت إلا هي حين قتل عدوّكم ... أبو مجرم أمسى على الوجه يسحب

فإن يك عبدا ذاق حتفا بجرمه ... فقد صادف المقدار، والحين يجلب

بكت عين من يبكيه ميتا، ولا رأى ... من الله روحا من له يتعصّب

وقال أبو عطاء السندي [السريع]:

زعمت أنّ الدّين لا يقتضى ... فاستوف بالكيل أبا مجرم

سقيت كأسا كنت تسقي بها ... أمرّ في الحلق من العلقم

ولمّا قتل المنصور أبا مسلم دعا بجعفر بن حنظلة البهراني فأراه [إيّاه] مقتولا فقال: وفّقك الله يا أمير المؤمنين، وسدّدك. عدّ خلافتك منذ اليوم!

وكتب المنصور إلى [٩٦ أ] أبي نصر مالك بن الهيثم (١*) وكان أبو مسلم خلّفه في ثقله بحلوان وهو يرى أنّه يرجع إلى خراسان، كتابا على لسان أبي مسلم في القدوم بثقله وما خلّف معه، وختم الكتاب بالخاتم الذي أخذه من أصبع أبي مسلم.

وكانت بينهما علامة فلم يعرفها فيكتب بها (٢*).

فامتنع أبو نصر من القدوم. فكتب المنصور إلى عامله بهمذان (٣*) بمنعه من النفوذ، فأخذه وحبسه في القصر، وقال لمن معه: والله لا يتحرّك متحرّك إلّا رميت إليكم برأسه!

ثم حمله إلى المنصور فعفا عنه. فلمّا كان يوم الر [ا] ونديّة قام على الباب فذبّ وأبلى فرضي عنه وصارت له مكانة عنده، وولّاه الموصل.


(١*) في العيون، طبعة ليدن، ٢٢١: وكان ابن الهيثم لأبي مسلم كالوزير.
(٢*) التعبير غامض، وعند الطبريّ، ٧/ ٤٩٣ (طبعة أبو الفضل): ... علم [مالك] أنّ أبا مسلم لم يكتب الكتاب ...
(٣*) وهو زهير بن التركيّ (الكامل ٤/ ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>