للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

درهم، ثم كسوتك الأعراب وقولك لهم:

«لأنجدنّكم دون أهل خراسان! » وأعجب من هذا أنّي دفعت في صدر صاحبك بخراسان فقلت:

أيضرب حاجبي؟ ردّوه عنّا إلى العراق!

فقال أبو مسلم: إنّه لا يقال لي هذا القول بعد بلائي وعنائي.

فقال: [٩٥ أ] يا ابن الخبيثة! والله لو كانت مكانك أمة لأجزأت! إنّما عملت ما عملت بدولتنا، ولو كان الأمر إليك ما قطعت فتيلا!

ثم فتل شاربه وفرك يده. فلمّا رأى أبو مسلم فعله قال: يا أمير المؤمنين، لا يدخلنّ نفسك ما أرى! إنّ قدري أصغر من أن يبلغ شيء من أمري مثل هذا المبلغ!

وصفّق المنصور بإحدى يديه على الأخرى، فضرب عثمان بن نهيك أبا مسلم ضربة خفيفة، فأخذ برجل المنصور فدفعه برجله، وضربه شبيب بن واج على حبل عاتقه ضربة أسرعت فيه فقال: وا نفساه! ألا قوّة؟ ألا مغيث؟

فقال المنصور: اضربوا ابن اللخناء!

فاعتوره القوم بأسيافهم. وأمر به فلفّ في مسح أو عباءة وصيّر ناحية.

وكان الطعام قد وضع للحرس وقت دخول أبي مسلم فكانوا قد شغلوا به فلم يعلم أحد منهم بمقتله.

ووافى عيسى بن موسى الباب فاستؤذن له، فقال المنصور: «أدخلوه! » فلمّا وقف بين يديه قال: يا أمير المؤمنين، أين أبو مسلم؟

قال: ههنا آنفا.

فقال: يا أمير المؤمنين، قد عرفت طاعته ومناصحته ورأي الإمام- كان- فيه.

فقال: اسكت يا ابن اللخناء، يا ابن الشاة! - وكانت أمّ عيسى توفّيت وهو صغير أو مرضت، فأرضع لبن شاة- فو الله ما كان في الأرض عدوّ أعدى لك منه! ها هو ذا في البساط! والله ما تمّ سلطانك إلّا اليوم!

ودخل إسماعيل بن عليّ وهو لا يعلم بقتل أبي مسلم، فقال: إنّي رأيت يا أمير المؤمنين في ليلتي هذه كأنّك قتلت أبا مسلم، وكأنّي وطئته برجلي.

فقال: قم فصدّق رؤياك! فها هو في البساط.

فقام فوطئه، ثم رجع ورمى بخفّه وقال: «لا ألبس خفّا وطئت به مشركا! » فأتي بخفّ فلبسه.

ثم أنشد المنصور [طويل]:

وما العجز إلّا أن تؤامر عاجزا ... وما الفتك إلّا أن تهمّ فتفعلا

وقال أبو دلامة [الطويل]:

أبا مسلم ما غيّر الله نعمة ... على عبده حتى يغيّرها العبد

أفي دولة المنصور حاولت غدره ... ألا إنّ أهل الغدر آباؤك الكرد

فلا يقطع الله اليمين التي بها ... علاك صقيل الشفرتين له حدّ

فما كان إلّا الموت في غمد سيفه ... وما خلت أنّ الموت يضبطه غمد [٩٦ ب]

أبا مسلم، خوّفتني القتل فانتحى ... عليك بما خوّفتني الأسد الورد

فأصبحت في أهلي وأصبحت ثاويا ... بحيث تلاقى في ذرى دجلة المدّ (١*)

وقيل: لمّا قتل أبا مسلم عثمان بن نهيك وشبيب بن واج وأبو حنيفة ورجلان من الحرس


(١*) الأبيات في الأغاني ١٠/ ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>