للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أهل بيتكم العشوة (١) بالإفك والعدوان. ثم إنّ الله بحمده ونعمته استنقذني بالتوبة وكرّه إليّ الحوبة، فإن يعف فقديما عرف ذلك منه، وإن يعاقبفبذنوبي وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصّلت: ٤٦].

فكتب إليه المنصور: قد فهمت كتابك، وللمدلّ على أهل بيته بطاعته ونصيحته ونصرته ومحاماته وجميل بلائه مقال. ولم يرك الله في طاعتنا إلّا ما تحبّ. فراجع أحسن نيّتك وعملك، ولا يدعونّك ما أنكرته إلى التجنّي! فإنّ المغيظ ربّما تعدّى في القول فأخبر بما لا يعلم، والله وليّ توفيقك وتسديدك. فاقدم رحمك الله مبسوط اليد في أمرنا محكّما فيما هويت الحكم فيه، ولا تشمت الأعداء بك وبنا إن شاء الله!

فلمّا قدم وأكرمه ثم صرفه إلى منزله ليستريح، ندم على انصرافه. فلمّا أصبح أبو مسلم غدا إلى المنصور فتلقّاه أبو الخصيب مرزوق فقال له: إنّ أمير المؤمنين مشغول، فانصرف ساعة حتّى يفرغ. فأتى منزل عيسى بن موسى، وكان يحبّه.

وكان عيسى شديد التعظيم له. فدعا له عيسى بالغداء. فبينا هو [٩٤ ب] على ذلك إذ أتاه الربيع، وهو يومئذ مع أبي الخصيب، فقال له: يدعوك أمير المؤمنين- فركب. وشغل عيسى بالوضوء، وقد كان أبو مسلم قال له: اركب معي فكأنّي قد أحسست بالشرّ!

فقال له: أنت في ذمّتي، فتقدّم فإنّي لاحقك.

فلمّا صار أبو مسلم إلى الرواق، قيل له: أمير المؤمنين يتوضّأ، فلو جلست؟

فجلس. وأبطأ عليه عيسى فجعل يسأل عنه، وأعدّ له المنصور عثمان بن نهيك، وهو يومئذ على حرسه، وأعدّ معه شبيب بن واج، وأبا حنيفة (١*) صاحب الدرب ببغداد (٢*)، ورجلين من الحرس. وقال لعثمان بن نهيك: إذا عاتبته فعلا صوتي فلا تخرجوا- وكان أصحابه وراء ستر خلف أبي مسلم- فإذا أنا صفّقت فدونكم العلج!

ثمّ قيل لأبي مسلم: قد جلس أمير المؤمنين، فقم! فلمّا قام ليدخل نزع منه سيفه فقال: ما كان يصنع بي مثل هذا!

فقيل له: ليس ذاك إلّا لخير.

وكان عليه قباء خزّ أسود، وتحته جبّة خزّ بنفسجيّ. فدخل فسلّم وجلس على وسادة ليس في البيت غيرها، والقوم خلف ظهره. فقال: يا أمير المؤمنين، استخفّ بي وأخذ سيفي!

فقال: ومن فعل ذلك قبّحه الله؟

ثم قال له: هيه! قتلت أهل خراسان وفعلت وفعلت! ثم جعلت [ ... ] بمكّة ليصلّي هذا الغلام بالناس. وألقيت نعلي من رجلي فرفعت نفسك عن مناولتي إيّاها حتى ناولنيها معاذ بن مسلم. وأعجب من هذا إقعادك إيّاي في دهليزك بخراسان مستخفّا بحقّي حتى أشير عليك بخلاف ذلك، فتكارهت على تسهيل إذني وفتح الأبواب لي؟ ثمّ كتابك إليّ تبدأ بنفسك، وخطبتك إليّ [عمّتي] آمنة بنت عليّ (٣*)، وقولك إنّك ابن [سليط بن عبد الله بن عباس] (٤*) لقد ارتقيت يا ابن اللخناء مرتقى صعبا! ثمّ ذمّك أخي وسيرته وقولك إنّه أوطأك العشوة وحملك على الإثم، ثم أنت صاحبي بمكّة تنادي: من أكل طعام الأمير فله


- وهي بعدُ غامضة.
(١) وأوطأه عشوة بالتثليث: أركبه أمرا ملتبسا صعبا.
(١*) ابن واج المرورّوذي وأبو حنيفة حرب بن قيس في الكامل.
(٢*) بغداد ستؤسّس سنة ١٤٥.
(٣*) في المروج، ٢٣٩٢: أميمة بنت علي بن عبد الله بن عبّاس.
(٤*) الزيادات من الكامل ٥/ ٤٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>