للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دوابّهم، فرعى حتّى أمسى. فقالوا له: ضمّ فرسك إلى دوابّنا، فإنّ السباع تأتينا.

فأبى وتنحّى ناحية. فأوقدوا النيران حولهم، ثمّ أخذوا فرسا لهم صئولا (١) فأتوه به وفيه شكالان، يقودونه بينهم وقالوا له: إنّ في دوابّنا رماكا (٢) أو حجورا (٣) فليكن هذا عندك.

قال: وما نصنع بهذه الحبال؟

فمسح وجهه وأدخل يده بين فخذيه فوقف لا يتحرّك فتعجّبوا من ذلك ساعة. ثم قال لهم:

اذهبوا!

فجلسوا يرمقون ما يكون منه ومن السباع. فقام يصلّي وهم ينظرون. فلما كان في بعض الليل أتته أسد ثلاثة يتلو بعضها بعضا. فتقدّم الأول إليه فشمّه ودار به، ثمّ تنحّى ناحية وربض. وفعل الثاني والثالث كفعل الأوّل. ولم يزل إبراهيم يصلّي ليلته قائما، حتى إذا كان السحر، قال للأسد: ما جاء بكم؟ أتريدون أن تأكلوني؟

امضوا!

فقامت الأسد فذهبت. فلمّا كان الغد، جاء الفزاريّ إلى أولئك فسألهم فقال: أجاءكم رجل؟

قالوا: أتانا رجل مجنون- وأخبروه بقصته.

فقال: أتدرون من هو؟

قالوا: لا.

قال: هو إبراهيم بن أدهم.

فمضوا معه إليه فسلّموا عليه. ثم انصرف به الفزاريّ إلى منزله، فمرّا برجل قد كان إبراهيم

سأله مقودا ساومه به درهما ودانقين. فقال إبراهيم للفزاري: نريد هذا المقود.

فقال الفزاري لصاحب المقود: بكم هذا المقود؟

فقال: بأربعة دوانيق.

فدفع إليه ذلك وأخذ المقود. فقال إبراهيم للفزاري: أربعة دوانيق في كذا، دين من هو؟

[[ ... وكذلك الجماد]]

وعن أبي عبد الرحمن المقرئ قال: كان إبراهيم بن أدهم على بعض جنان مكّة يحدّث بعض أصحابه، فقال: لو أنّ وليّا من أولياء الله عزّ وجل قال للجبل: زل، لزال.

فتحرّك [١٥ ب] الجبل من تحته، فضرب برجله وقال: اسكن! إنما ضربتك مثلا لأصحابي.

وقال موسى بن طريف: ركب إبراهيم بن أدهم البحر، فأخذتهم ريح عاصف، وأشرفوا على الهلكة. فلفّ إبراهيم رأسه في عباءة ونام، فقالوا له: أما ترى ما نحن فيه من الشدّة؟

فقال: ليس ذا شدّة.

قالوا: ما الشدّة؟

قال: الحاجة إلى الناس.

ثم قال: اللهم أريتنا قدرتك فأرنا عفوك!

فصار البحر كأنه قدح زيت.

وجاء إلى قوم قد ركبوا سفينة في البحر فقال له صاحب السفينة: هات دينارين!

فقال: ليس معي، ولكن أعطيك بين يدي (٤).

فعجب منه وقال: إنما نحن في بحر، فكيف تعطيني؟


(١) البعير- أو الفرس- الصؤول: الشديد العنيف.
(٢) الرماك مفردها الرمكة وهي من الخيل الأنثى التي تتّخذ للنسل.
(٣) الحجور مفردها الحجرة: وهي كذلك ما يتّخذ من الخيل للنسل. ويقال: أحجار الخيل بدون مفرد.
(٤) هكذا في المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>