للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم أدخله فساروا حتى انتهوا إلى جزيرة في البحر. فقال صاحب السفينة: والله لأنظرنّ من أين يعطيني. هل خبّأ ههنا شيئا؟

فقال: يا صاحب الدينارين، أعطني حقّي!

قال: نعم.

فخرج، فمضى وتبعه الرجل وهو لا يدري، فانتهى إلى آخر الجزيرة فركع. فلما أراد أن ينصرف قال، وهو ساجد: يا ربّ، إن هذا قد طلب مني حقّه الذي عليّ فأعطه عنّي!

فرفع رأسه فإذا ما حوله دنانير، وإذا الرجل، فقال: جئت؟ خذ حقّك ولا تزد، ولا تذكرها!

ومضوا، فأصابتهم عجاجة وظلمة وأحسّوا بالموت. فقال الملّاح: أين صاحب الدينارين؟

أخرجوه!

فجاءوه فقالوا: ما ترى ما نحن فيه؟ ادع الله معنا! فرفع يديه، وأرخى عينيه وقال: يا ربّ قد أريتنا قدرتك، فأذقنا برد عفوك ورحمتك!

فسكنت العجاجة، وساروا.

وفي رواية أنه قال: يا حيّ حين لا حيّ، ويا حيّ قبل كلّ حيّ، يا قيّوم، يا محسن، يا مجمل، قد رأيتنا قدرتك فأرنا عفوك!

فهدأت السفينة من ساعته.

وكان مرة في مركب في البحر فعرّج عليهم العدوّ، فرمى هو ورجل آخر أنفسهما إلى البحر نحو العدوّ فانهزم العدوّ.

وكان إذا غزا اشترط على رفقائه الخدمة والأذان. فأتاه رفقاؤه يوما وقالوا: يا أبا إسحاق إنّا عزمنا على الغزو. ولو علمنا أنك تأكل من متاعنا، لسررنا بذلك.

فقال: أرجو أن يصنع الله.

ثم قال: أستقرض من فلان؟ فلان، لا تخف عليه فلان مرابي! ثم خرّ ساجدا وصبّ دموعه على خديه ثم قال: وا سوأتاه! طلبت من العبيد وتركت مولاي (١)! فأحسن ما يقول العبد: إنما دفع إليّ مولاي مالا، فإن أمرني أن أعطيك فعلت. فأرجع إلى المولى بعد ما بذلت وجهي للعبيد. أليس يقول المولى لي: كان أحقّ أن تطلب مني، لا من غيري؟ وا سوأتاه!

ثم خرج إلى الساحل فتوضّأ وصلّى ركعتين، ثم نصب رجله اليمنى مستقبلا القبلة ثم قال:

اللهمّ قد علمت ما كان وقع في نفسي، وذلك بخطئي وجهلي، فإن عاقبتني عليه، فأنا أهل ذلك، وإن عفوت عني فأنت أهل ذلك وقد عرفت حاجتي.

فوقع في نفسه أن ينظر عن يمينه فإذا نحو من أربعمائة دينار، فتناول منها دينارا. ثم عاد إلى أصحابه فأنكروه وسألوه عن حاله فكتمهم زمانا.

ثم أخبرهم فقالوا: إن كنت تريد الغزو وقد خرج لك ما ذكرت، فهلّا أخذت منه ما تقوى به على الغزو؟

فقال: أتظنّون أن الله لو أراد أن لا يخرج إلا الذي اطّلع عليه من ضميري ل [ما] فعل؟ ولكن أخرج إليّ أكثر مما اطّلع عليه من ضميري ليختبرني. والله لو أنها عشرة آلاف ما أخذت منها إلا الذي اطّلع عليه من ضميري.

وقال عبد الله بن الفرح: كان إبراهيم بن أدهم بالشام يأكل الزيتون ويطرح نوى التمر. وكان بمكة فجاع فاستفّ الرمل فصار في فيه دقيقا.

وكان ذات (٢) يوم على شاطئ البحر فجعل


(١) في المخطوط: مولاهم، والإصلاح من الحلية ٨/ ٦.
(٢) في المخطوط: ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>