للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقلب الحصى فإذا هو جوهر. فأقبل بعض أصحابه. فلما رآه ألقاه إلى البحر فقال: يا أبا إسحاق تطرح مثل هذا، وعليّ دين؟

فقال له: عليك بالصدق.

وقال أبو النضر الحارث بن النعمان: كان إبراهيم بن أدهم يجتني الرطب من الشجر البلّوط.

وقال [١٦ أ] شقيق بن إبراهيم: لقيت إبراهيم بن أدهم بمكّة في سوق الليل عند مولد النبي صلّى الله عليه وسلم وهو جالس ناحية من الطريق يبكي. فعدلت إليه وجلست عنده وقلت له: إيش هذا البكاء يا أبا إسحاق؟

فقال: خير.

فعاودته، فلما أكثرت عليه قال لي: يا شقيق، إن أنا أخبرتك تحدّث به ولا تستر عليّ.

فقلت: يا أخي، قل ما شئت.

قال: اشتهت نفسي مذ ثلاثين سنة سكباجا، وأنا أمنعها جهدي. فلما كان البارحة كنت جالسا وقد غلبني النعاس، إذا أنا بفتى شابّ بيده قدح أخضر يعلو منه بخار ورائحة سكباج. فاجتمعت بهمّتي عنه فقرب مني ووضع القدح بين يديّ وقال: يا إبراهيم كل!

فقلت: لا آكل شيئا قد تركته لله عزّ وجل.

فقال: ولئن أطعمك الله تأكل!

فما كان لي جواب إلّا [أن] بكيت. فقال لي:

كل يرحمك الله!

فقلت له: فقد أمرنا أن لا نطرح في دعائنا إلّا من حيث نعلم.

فقال: كل عافاك الله، فإنما أعطيت وقيل لي:

«يا خضر، اذهب بهذا وأطعم نفس إبراهيم بن أدهم فقد رحمها الله من طول صبرها على ما يحمّلها من منعها». اعلم يا إبراهيم أني سمعت الملائكة يقولون: من أعطي ولم يأخذ طلب ولم يعط.

فقلت: إن كان كذلك، فههنا بين يديك لأجل العقد مع الله عزّ وجل.

ثم التفتّ فإذا بفتى آخر ناوله شيئا وقال: يا خضر، لقّمه أنت!

فلم يزل يلقّمني حتى شبعت، فانتبهت وحلاوته في فمي.

قال شقيق: أرني كفّك. فأخذت كفّه وقبّلتها وقلت: يا من يطعم الجياع الشهوات إذا صححوا المنع، يا من يقدح في الضمير اليقين، يا من يسقي قلوبهم من محبّته، أترى الشقيق عندك ذاك؟

ثم رفعت يد إبراهيم إلى السماء وقلت: بقدر هذا الكفّ وبقدر صاحبه، وبالجود الذي وجده منك، جد على العبد الفقير إلى فضلك وإحسانك ورحمتك، وإن لم يستحقّ ذاك!

فقام إبراهيم ومشى حتّى دخلنا المسجد الحرام.

وقال عديّ الصيّاد من أهل جبلة: سمعت يزيد بن قيس يحلف بالله أنّه كان ينظر إلى إبراهيم بن أدهم وهو على شطّ البحر في وقت؛ فيرى مائدة توضع بين يديه لا يدري من وضعها، ثم يراه يقوم فيتصرّف حتى يدخل جبلة وما معه شيء.

وقال أبو إبراهيم اليماني: خرجنا نسير على ساحل البحر مع إبراهيم بن أدهم فانتهينا إلى غيضة فيها حطب كثير وبالقرب منه حصن. فقلنا لإبراهيم بن أدهم: لو أقمنا هذه الليلة ههنا، وأوقدنا من هذا الحطب؟

فقال: افعلوا.

فطلبنا النار من الحصن، وأوقدنا. وكان معنا

<<  <  ج: ص:  >  >>