للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأراد أن يرسل مع المهديّ من يوصله إلى رفقته، فقال: «لا حاجة لي إلى ذلك»، ودعا له. فرجع بعض أصحاب النوشريّ عليه باللوم، فندم على إطلاقه وأراد إرسال الجيش ليردّوه.

وكان المهديّ لمّا لحق أصحابه رأى ابنه أبا القاسم قد ضيّع كلبا كان يصيد به، وهو يبكي عليه. فعرّفه عبيده أنّهم تركوه في البستان الذي كانوا فيه، فرجع المهديّ بسبب الكلب حتى وصل البستان ومعه عبيده. فرآهم النوشريّ فقال: ما هؤلاء؟

فقيل له: التاجر رجع.

فبعث فسألهم ما الذي ردّهم، فقالوا: فقد ولد سيّدنا كلبه، وهو عزيز على أبيه فرجع في طلبه.

فقال النوشريّ لأصحابه: «قبّحكم الله! أردتم [أن] تحملوني على مثل هذا الرجل حتى آخذه. فلو كان يطلب ما يقال، أو كان مريبا لكان يطوي المراحل ويخفي نفسه، ولا كان رجع في طلب كلبه!

ثم سار المهديّ فلحقه لصوص في الطريق في موضع يسمّى الطاحونة فسلبوه متاعه وكتبا لآبائه فيها روايات وملاحم، فعظم أمر الكتب عليه، فيقال إنّه لمّا خرج ابنه أبو القاسم القائم في السفرة الأولى إلى مصر أخذها من أهل ذلك المكان بأعيانها بعد سنين.

[وصول المهديّ إلى إفريقيّة]

وانتهى المهديّ وولده إلى مدينة طرابلس، وتفرّق من كان صحبته من التجّار. وكان في صحبته أبو العبّاس محمد أخو أبي عبد الله الشيعيّ، فقدّمه المهديّ أمامه إلى القيروان وأمره أن يلحق بكتامة. فلمّا وصل أبو العبّاس إلى القيروان، وجد الخبر قد سبقه، ووصلت الكتب من الخليفة إلى زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب في أمر المهديّ. فسأل عنه رفقته فأخبر أنّه تخلّف بطرابلس وأنّ صاحبه أبا العبّاس بالقيروان. فأخذ أبو العبّاس وقرّر، فأنكر وقال: «أنا رجل تاجر صحبت رجلا في [٢٢٠ أ] القفل (١*)»، فحبسه.

وسمع المهديّ فسار إلى قسطيلية. ووصل كتاب زيادة الله إلى عامل طرابلس بصفته وطلبه، فسار المهديّ إلى سجلماسة بعد ما اجتمع بعامل طرابلس وأهدى إليه. فكتب العامل إلى زيادة الله بأنّه قد سار ولم يدركه.

فأقام المهديّ بسجلماسة وقد أقيمت عليه الأرصاد في الطريق حتى عرفوا دخوله إلى سجلماسة. فأهدى إلى صاحبها اليسع بن مدرار هدايا وواصله. فقرّبه اليسع وأحبّه إلى أن ورد عليه كتاب زيادة الله يقول: «هذا الرجل هو الذي يدعو إلى طاعته أبو عبد الله الشيعي». فقبض عليه حينئذ وحبسه (٢*).

فأخذ أبو عبد الله رقّادة كما ذكر في ترجمته وتوجّه إلى سجلماسة لينقذ المهديّ من سجن اليسع، حتى قرب منها. فأرسل اليسع إلى المهديّ فسأله عن نسبه وحاله، وهل إليه قصد أبي عبد الله؟ فحلف له المهديّ أنّه ما رأى أبا عبد الله ولا عرفه، «وإنّما أنا رجل تاجر».

فأغلظ له في القول فلم يحل عن كلامه فأمر به أن يعاد إلى الاعتقال وأفرد في دار وحده، وكذلك فعل بابنه أبي القاسم، وجعل عليهما الحرس.

وقرّر أبا القاسم أيضا فما حال عن كلام أبيه. وقرّر (٣*) رجالا كانوا معه وضربهم فلم يقرّوا بشيء.


(١*) القفل بفتحتين اسم جمع بمعنى القافلة.
(٢*) انتهى هنا النقل عن ابن شدّاد، وعنه نقل أيضا ابن الأثير، والمقريزي في الاتّعاظ، ٨٤.
(٣*) قرّره: حمله بالعنف على الاعتراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>