أصلا من أصولهم، إنّما يعوّل على ما يميل إليه في الوقت، ويؤثره بالحضرة. ولو أنّه تناول الباطل البحت، والمحال المحض، لما اسطيع صرفه عنه، ولا قطعت حجّته فيه. وربّما ناظر أهل الفقه على مذهب الاحتجاج والتعليل، وأهل الطبّ والتنجيم في دقائق معانيهم ولطائف مسائلهم، مناظرة من عني الدهر الطويل بعلمهم، وشغل نفسه بمدارسة كتبهم، فيقطعهم ويستشرف عليهم، وذلك للطف حسّه، وصحّة خاطره، وحذقه بإعمال القياس على أصله.
وكان قليل المعاناة للكتب ومطالعة المسائل، إنّما دأبه الغوص على دقيقة يستخرجها، ولطيفة يثيرها، وقياس يمدّه، وأصل يفرّعه، فربّما اختلّ في حفظه، وأدرك في سواد كتابه (١).
ولم يكن عند معلّمي العربيّة بالأندلس كبير علم حتّى قدم عليهم قرطبة، وعقد للمناظرة في كتاب سيبويه مجلسا في كلّ جمعة. [ف] نهج لهم سبيلالنظر، وأعلمهم بما عليه أهل هذا الشأن بالمشرق، من استقصاء الفنّ بوجوهه، واستيفائه على حدوده.
وكان مع ذلك ذا وقار وسمت وصيانة، ونزاهة نفس، وكرم خليقة، وصحّة نيّة، وسلامة باطن، إلى عفاف وحياء ودين. وكان له من قرض الشعر حظّ صالح. ووسّع له المستنصر في المنزل والجراية.
ولم يزل لديه أثيرا، وعند الملوك مبجّلا معظّما، حتى توفّي على أجمل مذهب وأحمد طريقة.
٣٥٣٢ - ابن الحضرميّ السعدانيّ الضرير [٦١٦ - ٦٩١]
[٢١١ أ] محمد بن يحيى بن عطاء الله بن حسين، ابن رشيد الدين، أبو عبد الله، ابن أبي الحسين، ابن أبي زكريّا، السعدانيّ،
الإسكندرانيّ، عرف بابن الحضرميّ، الضرير.
ولد سنة ستّ عشرة وستّمائة. وسمع أبا الفضل جعفر بن أبي الحسين الهمدانيّ، وأبا القاسم عبد الرحمن بن عبد المجيد الصفراويّ، وحدّث.
توفّي ليلة الاثنين تاسع عشر شهر رجب سنة إحدى وتسعين وستّمائة. وقيل: توفّي سنة تسعين وستّمائة بالإسكندريّة، وكان رجلا صالحا.
٣٥٣٣ - ابن الرشيد العطّار [قبل ٦٢٠ - ٦٨٦]
محمد بن يحيى بن عليّ بن عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن صرح بن أبي الفتح، أبو صادق، ابن الحافظ رشيد الدين أبي الحسين، ابن أبي الحسن، ابن أبي القاسم، القرشيّ، الأمويّ، النابلسيّ، المصريّ، المعروف والده بالرشيد العطّار.
ولد قبل العشرين وستّمائة بمصر. وهو من بيت مشيخة وحديث. واعتنى به والده فأسمعه، ورحل به للإسكندريّة، فسمع بها من أبي عبد الله محمد بن العماد الحرّانيّ، وأبي القاسم عبد الرحمن الصفراويّ، وأبي الفضل جعفر الهمدانيّ. وسمع بمصر من أبي بكر عبد العزيز بن أحمد بن باقا، وأبي الفضل مكرّم بن أبي الصقر، وأبي الحسن ابن المقيّر، وجماعة يطول ذكرهم.
وكتب الحديث بخطّه وحدّث، وخرّج لنفسه فوائد.
وكان فاضلا محدّثا ثقة، حسن الصورة، ليّن الجانب. درّس الحديث بالمدرسة الصاحبيّة بمصر، وكتب الخطّ الحسن.
ومات بمصر يوم الجمعة الخامس والعشرين
(١) هذا كلام الزبيديّ وليس واضحا.