والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: قدّموا قريشا ولا تتقدّموها واسمعوا منهم، فإنّ علم العالم منهم يسع طباق الأرض؟
وعن الربيع: سمعت الشافعيّ يقول: كان محمد بن الحسن يقرأ عليّ جزءا، فإذا جاء أصحابه قرأ عليهم أوراقا. فقالوا له: إذا جاء هذا الحجازيّ قرأت عليه جزءا، وإذا جئنا قرأت علينا أوراقا؟
فقال: اسكتوا! إن تابعكم هذا لم يثبت لكم أحد.
وعن الزعفرانيّ: قال محمد بن الحسن: إن تكلّم أصحاب الحديث يوما، فبلسان الشافعيّ لغة (١) لمّا وضع كتبه.
وعن داود بن عليّ الأصبهانيّ: سمعت إسحاق [بن] راهويه يقول: لقيني أحمد بن حنبل بمكّة، فقال: تعال حتّى أريك رجلا لم تر عيناك مثله! - فأراني الشافعيّ.
وعن أبي إسماعيل الترمذي: سمعت إسحاق ابن راهويه يقول: كنّا بمكّة، والشافعيّ بها، وأحمد بن حنبل بها. فقال لي أحمد بن حنبل: يا أبا يعقوب، جالس هذا الرجل! - يعني الشافعيّ.
فقلت: وما أصنع به؟ سنّه قريب من سنّنا.
[أ] أترك [١٥٤ ب] ابن عيينة، والمقرئ؟
فقال: ويحك! إنّ ذاك لا يفوت، وذا يفوت!
فجالسته.
وعن إبراهيم بن محمد الكوفيّ: رأيت الشافعيّ بمكّة يفتي الناس، ورأيت إسحاق بن إبراهيم، وأحمد بن حنبل حاضرين. فقال أحمد لإسحاق:
يا أبا يعقوب، تعال حتى أريك رجلا لم تر عينك
مثله.
فقال إسحاق: لم تر عيناي مثله؟
قال: نعم.
فجاء به فأوقف على الشافعيّ- وذكر فهمه، لمناظرته إيّاه في رياع مكّة.
وقال أبو سليمان داود بن عليّ الأصفهانيّ: قال لي إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: ذهبت أنا وأحمد بن حنبل إلى الشافعيّ بمكّة، فسألته عن أشياء، فرأيته رجلا فصيحا حسن الأدب. فلمّا فارقناه أعلمني جماعة من أهل الفهم بالقرآن أنّه أعلم الناس في زمانه بمعاني القرآن، وأنّه قد أوتي فهما في القرآن، ولو كنت عرفت ذلك منه. (قال أبو سليمان): فرأيته يتأسّف على ما فاته من الشافعيّ.
[[شهادة ابن راهويه]]
وعن أبي بكر أحمد بن الفضل النجّار: سمعت إسحاق بن راهويه يقول، وقد اجتمع مع أحمد بن حنبل ببغداد، والشافعيّ نازل بباب الطاق:
يا أحمد، بلغني أنّ رجلا من قريش جاء إلى بغداد إلى عندكم، وهو نازل بباب الطاق. فكيف ترى أن نلقاه؟
قال أحمد: إنّه رجل إمام من أئمّة المسلمين، ولقد لقيته مرّات، وعدت إليه عودة بعد عودة.
ولكن، قم بنا إليه!
(قال إسحاق): فقمنا إليه، فوجدناه يقرأ القرآن. فسلّمنا عليه، وأجلسنا بجنبه. فلمّا أن فرغ من درسه التفت إلى أحمد فقال: يا أبا عبد الله، من الرجل؟
فقال: أخونا إسحاق بن راهويه. (قال إسحاق) فأدناني منه وعانقني وقال: الحمد لله الذي جمع بيني وبينكما!
(١) لغة: قراءة ظنّيّة.