للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فاستجاب إلى ذلك، وكتب رقعة يعرض نفسه وماله على السيّدة، ويخطب خدمتها ويبذل الاجتهاد فيها. فأخذ رفق الرقعة وركب من الغد إلى [٣٦٠ أ] القصر، ودخل إلى السيّدة وقد أحضرت أبا نصر وعاودته في الخطاب وهو على حاله من الامتناع إلى أن أضجرها. فانتهز رفق الفرصة بضجرها، وقال:

يا مولاتنا قد طال غلق بابك ووقوف خدمتك وكثرة امتناع الشيخ أبي نصر ممّا تريد [ين] هـ منه. وههنا من أنت تعرفينه، وهو رجل مسلم وقاض، وكثير المروءة، وهو مستغن بماله وأملاكه عن التعرّض لمالك، وهو ثقة ناهض كاف.

فقالت: من هو؟

فقال: القاضي أبو محمد اليازوريّ. وهذه رقعته.

فأمرته بتسليمها إلى أبي نصر، وقالت له: ما تقول فيه؟

فلم يصدّق بذلك وقال: يا مولاتنا، هو والله الثقة الأمين الناهض الذي يصلح لخدمتك، وفيه لها جمال، وما تظفرين بمثله.

فوقع ذلك منها بالموافقة لما كان في نفسها من الغيظ بامتناعه عليها، وقالت لرفق: قل له يجلس في داره غدا إلى أن أنفذ إليه.

فسرّ رفق بذلك سرورا كبيرا وخرج، فرأى الياوزريّ فقال له: أقمح أم شعير؟

قال: بل برّ يوسفيّ- وقصّ عليه القصّة وقال له: اغد إلى دارك فلا حاجة إلى الاجتماع اليوم، وإذا كان الغد فاجلس حتى يأتيك رسول السيّدة.

ففعل، وجاءه من الغد الرسول يستدعيه، فركب إلى باب السيّدة وقد جلست له وراء

المقطع، وردّت إليه أمر بابها والنظر في ديوانها الذي هو باب الريح، فبلغ ذلك الوزير أبا نصر صدقة بن يوسف الفلاحيّ، فشقّ عليه كون هذا الأمر لم يكن على يده مع علمه أنّه لا يقدر عليه، فإنّ السيّدة لم تكن تسمع قوله لما في نفسها منه بقتل أبي سعد، ولم يسعه إلّا المجاملة. واستدعى أمراء الأتراك وأمرهم بالمضيّ إليه وتهنئته، فلمّا دخلوا على اليازوريّ تلقّاهم وأعظمهم لسعيهم إليه، وعند ما هنّئوه شكرهم وأثنى عليهم، وقال:

ما أنا إلّا خادم ونائب لمواليّ الأمراء، وأسأل في تشريفي بما يعنّ لهم من خدمة أنهض فيها وأبلغ الغرض فيما يرسمون.

[ارتفاع شأنه بخدمة السيّدة]

فنهضوا، وقام لوداعهم، وأتوا إلى الوزير [الفلاحيّ]، وأعلموه بما كان من اليازويّ، فقلق لذلك. ولم تطل الأيّام حتى قبض على الوزير وقتل، وأقيم بعده في الوزارة أبو البركات الحسين بن محمد الجرجرائيّ، فأقبلت حال اليازوريّ تتزيّد ومنزلته ترتفع وأمره يتأكّد.

وخلعت عليه السيّدة خلعة ثانية، ولقّب بالمكين الأمين عمدة أمير المؤمنين، وأمرته أن لا يقوم لأحد، فإنّ خدمته لا تقتضي إعظام أحد إذا دخل إليه. فكان يعتذر إلى من يأتيه من الجلّة والرؤساء والأكابر عن ترك القيام، ويقول: لو ملكت اختياري لبالغت في تكرمتكم بما تستحقّونه- إلى أن تمهّد عذره في ذلك، ما خلا القائد الأجلّ عدّة الدولة رفق، الذي كان سفيره، فإنّه كان إذا أقبل إليه وثب قائما ووفّاه حقّه من الإعظام، فبلغ ذلك السيّدة فقالت له: لا تتحرّك لأحد بالجملة!

فكان بعد ذلك إذا جاء، يعتذر إليه، فمكث كذلك مدّة، وحاله آخذه في الترقّي، ورئاسته تزداد إجلالا إلى أن صار يحضر بحضرة الخليفة


- وقراءتنا أصوب إذا فهمناها على هذا النحو: فعلى ماذا نحصل أكثر من العطلة، أيّ: ماذا نخشى أكثر من البطالة الحاليّة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>