للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واعجبا لهذه الخشبيّة ينعون حسينا كأنّي أنا قتلته! والله لو قدرت على قتلته لقتلتهم!

ثم قال لأبي عبد الله: أتحسبون أنّي أخلّي سبيلهم دون أن يبايع محمد وتبايعوا؟

فقال: أي وربّ الركن والمقام، لتخلّينّ سبيله أو لنجالدنّك بأسيافنا جلادا يرتاب منه المبطلون!

فكفّه ابن الحنفية وحذّره الفتنة، وخرج ومن معه إلى شعب عليّ، وهم يسبّون ابن الزبير.

فاجتمع عند ابن الحنفيّة أربعة آلاف رجل وعزّوا وامتنعوا.

فلمّا قتل المختار تضعضعوا، فبعث ابن الزبير لابن الحنفية [١٤٨ ب]: ادخل في بيعتي وإلّا نابذتك!

فسار يريد الشام حتى بلغ أيلة، ثم عاد إلى مكّة ونزل شعب أبي طالب. فأرسل إليه ابن الزبير أن يرحل عنه وألحّ عليه في ذلك، فقال: اللهمّ ألبس ابن الزبير لباس الذلّ والخوف، وسلّط عليه وعلى أشياعه من يسومهم الذي يسوم الناس!

وسار إلى الطائف. فدخل عبد الله بن عبّاس على ابن الزبير وأغلظ له، وخرج إلى الطائف أيضا من غير أن يبايعه، فأقام به حتى مات.

وفي سنة ستّ [وستّين] استولى عبيد الله بن زياد على الموصل وقطع منها دعوة ابن الزبير.

[[مقتل مصعب بن الزبير بالعراق]]

وفيها استعمل ابن الزبير أخاه مصعب بن الزبير على البصرة فقاتل المختار وقتله، واستولى على الجبال والسواد، وأعاد دعوة أخيه عبد الله بن الزبير بالكوفة والبصرة والموصل والجزيرة وأرمينية وأذربيجان.

وفيها ولّى ابن الزبير ولده حمزة العراق عوضا عن مصعب ليباهي به بني مروان، فظهر منه اختلاط وحمق فعزله وأعاد مصعبا. فلمّا قدم عليه حمزة قال: أين المال؟

قال: وفد عليّ قومي فوصلتهم به.

قال: مال هو لك أو لأبيك؟

وأخذه وقيّده وحبسه في سجن عارم بمكّة.

ولم يزل عبد الله بن الزبير يقيم بالناس الحجّ إلى أن كانت سنة ثمان وستّين [ف] وافى عرفات أربعة ألوية:

لواء عبد الله بن الزبير وأصحابه،

ولواء محمد بن الحنفيّة وأصحابه،

ولواء لبني أميّة،

ولواء لنجدة بن عامر بن عبد الله بن سيّار مع مفرح الحنفي أحد الخوارج من الحروريّة. فلم تجر بينهم حرب ولا فتنة.

فلمّا قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير في جمادى الأخرى سنة إحدى وسبعين غلب على العراق كلّه ودعا لنفسه. فلمّا بلغ عبد الله بن الزبير ذلك قام في الناس خطيبا فقال:

الحمد لله الذي له الخلق والأمر، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممّن يشاء، ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء. ألا وإنّه لم يذلل الله من كان الحقّ معه ولو كان فردا، ولم يعزز الله من [كان] الشيطان وليّه ولو كان الأنام كلّهم معه. ألا وإنّه قد أتانا من العراق خبر أحزننا وأفرحنا: أتانا قتل مصعب رحمة الله عليه (١*). فأمّا الذي أحزننا فإنّ لفراق الحميم لوعة يجدها حميمه عند المصيبة ثم يرعوي من بعدها ذو الرأي إلى جميل الصبر وكرم العزاء. وأمّا الذي أفرحنا فإنّ قتله كان له شهادة،


(١*) هذا النعي مرويّ بصيغة مختلفة في الكامل ٤/ ١٦ والعقد ٤/ ١٠٩. والطبريّ، ٦/ ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>