للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بصرفه عن القضاء بتولية عبد العزيز، فقال: ما هذه الداهية على غفلة؟ لا حول ولا قوّة إلّا بالله!

وأغلق بابه وصرف من عليه، وسأل صاحبين له مواصلته، فلزم داره وقد اشتدّ خوفه. وكانت مدّة ولايته القضاء خمس سنين وستّة أشهر وثلاثة وعشرين يوما.

ثمّ قتله في سادس المحرّم سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، وأحرقه بعد قتله، وهو أوّل قاض أحرق بعد قتله.

وكانت له سير وأنباء، منها أنّه تولّى عقد نكاح حظيّة الحاكم بأمر الله فخلع عليه وحمله، ولم يحضر في ذلك غيره، فركب إليه رجال الدولة وهنّئوه.

[[شيء من أخباره]]

وكان يواصل الجلوس بالقصر لقراءة ما يقرأ على الأولياء [٤٠٨ أ] والدعاة والمتّصلة (١) من مجالس الحكمة، فكان يفرد للأولياء مجلسا، وللخاصّة وشيوخ الدولة ومن يختصّ بالقصور من الخدم وغيرهم مجلسا، ولعوامّ الناس والطارئين على البلد من النواحي مجلسا، وللنساء في جامع القاهرة مجلسا، وللخدم وخواصّ نساء القصر مجلسا. وكان يعمل مجالس الحكمة في داره ثمّ ينفذها إلى من يختصّ بخدمة الدولة. واتّخذ لهذه المجالس كتّابا يبيّضونها بعد عرضها على الحاكم بأمر الله. وكان يثبت في كلّ مجلس منها ما يتحصّل من مال النجوى (٢) (٣) من كلّ منيدفع

شيئا من ذلك عينا وورقا من الرجال والنساء، وتكتب [٥٤٢ أ] أسماء من يدفع شيئا زيادة على ما يدفعه. وكذلك في عيد الفطر يكتب ما يدفع عن الفطرة، ويتحصّل من ذلك مال جليل فيحمله إلى بيت المال شيئا بعد شيء.

ثمّ شرّفه الحاكم بأمر الله بالفطر معه في ليالي شهر رمضان سنة تسعين. وأصعده معه المنبر أيّام الأعياد. وخلع عليه بعد الضربة التي ضربها في الجامع. وتقدّم إلى جماعة من شيوخ الأضياف (٤) بالركوب معه في كلّ مجلس يجلس فيه، وتقدّم إلى عدّة من الرقّاصين (٥) أصحاب السيوف المحلّاة بالمشي بين يديه في كلّ يوم. وكان إذا حضر إلى الجامع العتيق بمصر وقام يصلّي، وقف خلفه الأضياف صفّا يسترونه، ولا يصلّي أحد منهم حتى يفرغ من صلاته ويعود إلى مجلسه، فيكونون قياما عن يمينه وشماله إذا جلس، وهو أوّل قاض فعل معه هذا. وهو أيضا أوّل من كتب في سجلّاته «قاضي القضاة».

ثمّ علت منزلته وتخصّص بالحاكم. وكان له عند الحاكم من يسدّ غيبته ويذكره بالجميل ويحسّن أفعاله، وكان أشدّ الناس في ذلك الأستاذ ريدان الصقلبيّ والأستاذ ريحان اللحياني، والأستاذ مفلح اللحياني (٦)، فلا يزالون يعظّمون قدره، ويشدّون أزره. فانبسطت يده وعظم شأنه،


(١) لعلّه يعني بالمتّصلة خاصّة البلاط والخدم المقرّبين.
(٢) النجوى: تبرّع مالي يساوي ثلاثة دراهم وثلث درهم يقدّمه المريد الذي يتعلّم أصول الإسماعيلية. انظر:
القاضي النعمان: المجالس والمسايرات، ٤٩٨ هامش ١.
(٣) انقطاع في المخطوط الجديد مع تواصل الترقيم في الترجمة الموالية.
(٤) الأضياف: لعلّها لقب مخصوص بسامي الخدّام مثل الفتكين الضيف (الكامل تحت سنة ٣٩٣)، وتعني هنا الحرّاس من العبيد.
(٥) الرقّاص هو الساعي بالبريد بين الخليفة ورجال دولته.
(٦) ريدان الصقليّ صاحب المظلّة، هو الذي تولّى قتل برجوان. ومفلح اللحياني الخادم ولّاه الحاكم دمشق بعد تموصلت بن بكّار (اتعاظ، ١/ ٣٠٢، وأمراء دمشق للصفدي، ٢١١). وريحان اللحياني خادم أيضا ولكن لا نعرفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>