للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتزوّج بالرابعة ولم يدخل بها، فوجد الثانية أمّ الأولى، ووجد الثالثة عمّة الرابعة؟

فقال الشافعيّ: ينزل عن الثانية والرابعة من غير أن يلزمه شيء، ويتمسّك بالأولى والثالثة.

قال: ما حجّتك؟

قال: أمّا الثانية، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ [النساء: ٢٣]. وأمّا الرابعة فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يتزوّج الرجل المرأة على عمّتها أو خالتها. فما تقول أنت يا محمّد بن الحسن، كيف استقبل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم النحر وكبّر؟

فتتعتع محمد بن الحسن. فقال الشافعيّ:

يسألني عن الأحكام فأجيبه، وأسأله عن سنّة من سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [١٥٢ أ] يحتاج إليها الصادر والوارد، فلا يجيبني. أفمن الإنصاف هذا؟

فتبسّم الرشيد وأمر للشافعيّ بعشرة آلاف دينار، ففرّقه [ا] على باب داره وانصرف مكرّما.

قال ابن عساكر: لمّا سمعنا هذه الحكاية من شيخنا أبي بكر وجيه الشحّاميّ (١) أنا والشيخ أبو سعد ابن السمعانيّ رحمه الله في بيت ابنه يوسف بن وجيه ليلا كأنّا استبعدنا صحّتها وأنكرناها لحال البلويّ في إسنادها، ونمنا. فلمّا استيقظنا ذكر لنا الشيخ وجيه أنّه رأى في نومه النبيّ صلّى اللهعليه وسلّم أو الشافعيّ- أنا أشكّ- وهو يقول: أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ [النجم: ٩٥ - ٦٠]- أو كما قال.

[رؤيا للرشيد في تعظيم الشافعيّ]

وعن أبي موسى هارون بن يزيد: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن حمزة الكسائيّ قال: استحضرني ذات يوم أمير المؤمنين هارون الرشيد. فلمّا

دخلت عليه رفعني وأدناني منه. وإذا المجلس فيه جمع عظيم، وإذا محمد بن الحسن الفقيه جالس، فلمّا سكّن روعتي قال لي: [أ] تدري لم أحضرتك يا أبا الحسن؟

قلت: لا يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك.

قال: إنّي أحضرتك لأمر سرّني، فأحببت أن أسرّك به أيضا.

فقلت: سرّك الله في جميع الأمور، ووقاني فيك كلّ محذور!

فقال: إنّي رأيت البارحة فيما يرى النائم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّه دخل عليّ في البيت الذي كنت فيه، وقائل يقول لي: «يا هارون، هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد دخل عليك». فلمّا بصرت به وقعت عليّ الرعدة، وأخذني الدمع، واعتراني البكاء، وسقطت على وجهي. فجاء صلّى الله عليه وسلّم حتى وقف عليّ وقال لي: ارفع رأسك يا هارون وأبشر!

فإنّ الله قد شكر لك خوفك منه ولجأك إليه فغفر لك ورحمك، فلا خوف عليك. وإنّ الله قد جعل الخلافة في ذرّيّة ولدك محمد إلى أن تقوم الساعة.

فرفعت رأسي وأقبلت أحمد الله وأثني عليه. وإذا بمحمّد بن إدريس الشافعيّ يدوّر في يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكأنّي قد غبطته بمكانه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا هارون، أتعرف هذا؟

قلت: نعم، يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي! هذا الشافعيّ.

قال: نعم، هذا المطّلبيّ، وهذا سيّد المسلمين الفقيه الورع. أفهمت يا هارون؟

قلت: نعم يا رسول الله.

فقال لي: استوص به خيرا، فإنّه على الحقّ مع سنّتي، وإنّ الله سينفع به بشرا كثيرا.

ثمّ أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الشافعيّ فقال


(١) وجيه بن طاهر الشحامي (ت ٥٤١): أعلام النبلاء ٢٠/ ١٠٩ (٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>