للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

محنتان: إحداهما بالدين وكنت في السجن [-] الحلّ (١)، وذاك عندي زيادة في إيماني، وهذه محنة بالدنيا وهي فتنة فيه- أي في الدين (٢).

قال المروزيّ: سمعت إسحاق بن حنبل عمّ أحمد ونحن بالعسكر (٣) يناشده ويسأله الدخول على الخليفة ليأمره وينهاه، وقال إنّه يقبل كلامك، هذا إسحاق بن راهويه يدخل على ابن طاهر (٤) فيأمره وينهاه. فقال له أبو عبد الله: تحتجّ عليّ بإسحاق وأنا غير راض بفعله. ما له في رؤيتي خير ولا لي في رؤيته خير. يجب عليّ إذا رأيته أن آمره وأنهاه، الدنوّ منه فتنة، والجلوس معه فتنة، نحن متباعدون منهم ما أرانا نسلم، فكيف لو قربنا منهم؟ .

قال صالح: وكان إذا أتى رسول المتوكّل يبلّغ أبي السلام نسرّ نحن بذلك وتأخذه هو نفضة حتّى ندثّره ثمّ يقول: والله لو أنّ نفسي في يدي لأرسلتها، ويضمّ أصابعه ثمّ يفتحها. (قال صالح) وجاء يحيى بن خاقان مرّة في موكب عظيم وكان يوما مطيرا، فنزل خارج الزقاق فجهدت به أن يدخل راكبا فلم يفعل، وهو يخوض في الطين.

فلمّا وصل إلى الباب نزع جرموقا (٥) كان على خفّه ودخل البيت وأبي في الزاوية قاعد، عليه كساء مرقّع وعمامة والستر الذي على باب البيت قطعة

خيش. فسلّم عليه وسأله عن حاله وقال: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: كيف أنت في نفسك وكيف حالك؟ وقد أنست بقربك، ويسألك أن تدعو له. فقال: ما يأتي عليّ يوم إلّا وأنا أدعو له. ثمّ قال له: وجّه معي ألفّ دينار تفرّقها على أهل الحاجة. فقال: يا أبا زكريا (٦)، أنا في البيت منقطع عن الناس، وقد أعفاني أمير المؤمنين ممّا أكره. فقال: يا أبا عبد الله، الخلفاء لا يحتملون هذا كلّه. فقال: يا أبا زكريا، تلطّف في ذلك! ودعا له. ثمّ قام، فلمّا صار وسط الدار رجع فقال: يا أبا عبد الله، لو وجّه إليك بعض إخوانك، هكذا كنت تفعل؟ قال: نعم. (قال صالح) فلمّا صرنا إلى الدهليز قال: قد أمرني أمير المؤمنين أن أدفعها إليك تفرّقها في أهل بيتكم فقلت تكون عندك حتى تمضي هذه الأيّام، وقلّ يوم يمضي إلّا ورسول المتوكّل يأتيه.

[فصل في ذكر جماعة من الأعيان امتحنوا فلم يجيبوا]

منهم: أحمد بن الخزاعيّ، ونعيم بن حمّاد، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعفّان بن مسلم، وأبو يعقوب البويطيّ صاحب الشافعيّ.

وأمّا أحمد بن نصر (٧) فكان من أهل الدين والصلاح والأمّارين بالمعروف، جمع الحديث عن مالك بن أنس وغيره، وروى عنه يحيى بن معين وغيره. دعاه الواثق إلى القول بخلق القرآن فأبي فأمر بضرب عنقه فضرب وحمل رأسه إلى بغداد فنصب في الجانب الشرقيّ أيّاما وفي الجانب الغربيّ أيّاما، وأمّا جسده فصلب بسرّمن رأى.

وروى الحافظ أبو الفرج بسنده إلى إبراهيم بن


(١) كلمة مطوسة، ولعلّها: آكل.
(٢) إضافة بين السطرين.
(٣) أي سامرّا.
(٤) إسحاق [بن إبراهيم بن مخلد] ابن راهويه الحافظ (ت ٢٣٨): أعلام النبلاء ١١/ ٣٥٨ (٧٩).
وابن طاهر هو طاهر بن الحسين أمير خراسان للمأمون (ت ٢٠٧) أو ابنه عبد الله بن طاهر (ت ٢٣٠): انظر رسالة المنجي الكعبي عن الطاهريّين Les Tahirides تونس ١٩٨٣.
(٥) الجرموق: ما يلبس فوق الخفّ لحفظه من الطين أدّي تنحير: الألفاظ الفارسيّة المعرّبة ص ٤٠.
(٦) يحيى بن خاقان الخراساني مولى الأزد صاحب الخراج.
الطبري ٩/ ١٦٢.
(٧) أحمد بن نصر (ت ٢٣١): النبلاء ١١/ ١٦٦ (٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>